د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا وتسمية مبعوث أممي جديد

أخيراً جرت تسمية مبعوث أممي جديد لليبيا، بعد خلاف في أروقة مجلس الأمن طال انتظار نهايته، لأنه عكس حجم الخلاف الدولي على رؤية الحل للأزمة في ليبيا، خاصة بعد رفض روسيا لتسمية الأميركية ستيفاني ويليامز مبعوثاً دولياً لليبيا، ما دفع الأمين العام لتسميتها مستشارة خاصة له بشأن ليبيا وعملت بصفة مبعوث إلى أن انتهت بالفشل في حل الأزمة والتوصل لحل توافقي، بسبب تصرفها كمندوبة أميركية لا دولية، وخلطها أوراق الأزمة بشكل خاطئ، كمحاولتها نزع الشرعية عن البرلمان المنتخب بإيجاد بديل هو لجنة الحوار المكونة من 75 شخصية اختارتهم من دون معرفة معيار الاختيار لتحل محل البرلمان المنتخب من الشعب.
المبعوث الجديد، لا يعتبر جديداً، إذ سبق أن كان ضمن فريق المراجعة لعمل البعثة الدولية في ليبيا، وهو مطلع على الأزمة، وهو سياسي سابق وأفريقي، وهي الهوية الجغرافية التي يتشارك فيها مع ليبيا، ولكن السؤال الأهم: من أين سيبدأ المبعوث الجديد؟ وهل سيكمل مشوار ستيفاني ويليامز الخاطئ ويضل الطريق، أم ستكون له خريطة طريق جديدة؟ خاصة أن الظروف الإقليمية المجاورة لليبيا تعيش أحسن ظروفها، ما يتطلب منه سلوك طريق تختلف عن طريق ستيفاني ويليامز التي أضاعت الطريق.
القراءة الخاطئة عمداً أم جهلاً للأزمة كانت هي سمة أغلب المبعوثين الدوليين، ما تسبب في تأخير الحل، فالأزمة الليبية أو الأصح توصيفاً «الأزمة الدولية في ليبيا» أخيراً تفضي إلى توافق دولي على تسمية مبعوث ثامن لليبيا، بعد أن عُطلت التسمية لسنتين منذ استقالة اللبناني غسان سلامة التي تبعتها بأيام استقالة السلوفاكي يان كوبيتش الذي لم يلحق قراءة صفحة واحدة في ملف الأزمة في ليبيا.
تسمية الأزمة وتوصيفها بالشكل الصحيح، هما الجزء الأهم من الحل، فالأزمة في ليبيا التي يسميها البعض «الأزمة الليبية» هي في الواقع أزمة في ليبيا ليس بالمطلق منبتها ليبياً خالصاً، والدليل الخلاف في مجلس الأمن حتى على تسمية مبعوث، الذي طال لسنتين إلى أن تمخض عن تسمية الدبلوماسي السنغالي عبد الله باثيلي مبعوثاً للمنظمة الدولية إلى ليبيا.
صحيح أن تسمية مبعوث جديد تعد خطوة نحو الحل، خصوصاً أن الأزمة في ليبيا هي أزمة خلاف مصالح دولية في ليبيا، بالإضافة إلى خلاف ليبي - ليبي حول شكل الدولة ونظام الحكم والشخصيات الجدلية والميليشيات ومطامع الإسلام السياسي، ولكن تبقى آلية فهم الأزمة في ليبيا، وكيف سيبدأ المبعوث الجديد؛ هل سيكمل ما انتهت عنده مستشارة الأمين العام ستيفاني ويليامز؟
قراءة المبعوث الدولي للأزمة في ليبيا، ستبقى هي مفتاح الحل، وهامش الحرية لدى المبعوث الجديد، ومدى سيطرة أو نفوذ الفرقاء الدوليين في ليبيا، فتشخيص الأزمة بأنها مجرد أزمة خلاف بين ليبيين هو تسطيح للأزمة ستنتج عنه حلول خاطئة غير قابلة للتعايش، خاصة أن هذه الأزمة أزمة أمنية قبل أن تكون سياسية، وبالتالي التركيز على الحل السياسي وتجاهل وجود الميليشيات والمرتزقة في ليبيا، يعد جزءاً من المشكلة وتعقيداتها وليس جزءاً من الحل.
القراءة الخاطئة بأن الأزمة في ليبيا هي مجرد خلاف على قاعدة دستورية للانتخابات أو خلاف دستوري في حين ليبيا ظلت من دون دستور لأكثر من خمسين عاماً، تعتبر اختزالاً للأزمة التي تعاني من تدخلات خارجية منها إقليمية، وأخرى ترسم لها حدوداً جغرافية عبر البحار، بينما تتصارع شركات البترول الكبرى عبر حكوماتها في ليبيا من إيني وتوتال وبريتش بتروليوم، مما جعل ليبيا حلبة صراع دولي. إن تسمية مبعوث دولي والتوافق عليه ليسا الحل النهائي للأزمة، بل بداية الحل.