جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

عواقب ألعاب الحرب بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية

بدأت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة مؤخراً العديد من التدريبات العسكرية الضخمة بالذخيرة الحية لأول مرة منذ عدة سنوات في إشارة واضحة لبيونغ يانغ. تُعرف هذه التدريبات باسم تدريبات «Ulchi Freedom Shield» – درع أولشي للحرية - وستقوم باستعراض القدرات العسكرية للحليفين في البحر والجو والأرض وفي الفضاء. وستتضمن التدريبات، التي ستستمر حتى الأول من سبتمبر (أيلول)، عنصراً إلكترونياً مهماً.
لقد شاركت في هذه المناورات الحربية عدة مرات، حيث عدت إلى الأيام الأولى لي في البحر من خلال المحيط الهادئ حيث كنت أخدم في مدمرة مضادة للغواصات. ومع مرور السنين ازدادت وتيرتها ونطاقها، بما في ذلك مئات السفن والدبابات والطائرات والأقمار الصناعية وعشرات الآلاف من القوات، ولذلك فهي من بين أكثر التدريبات العسكرية الأميركية أهمية على مستوى العالم.
وكما حدث في السنوات الماضية، فقد أدان كيم جونغ أون من كوريا الشمالية بشدة التدريبات، ووصفها بأنها تدريبات على غزو، ووصفها بأنها محور للدفاع عن أسلحته النووية غير المشروعة وبرامج الصواريخ الباليستية. لكن توجد لدى الولايات المتحدة أيضاً أسباب أخرى غير الضجيج الذي أحدثه الرئيس كيم، إذ أشارت إلى التزامها الصارم تجاه حليفها في المعاهدة. جاءت نسخة هذا العام من التدريبات في وقت عصيب بشكل خاص: في شرق آسيا، بلغت التوترات بين الولايات المتحدة والصين ذروتها بشأن تايوان، وتولت حكومات جديدة السلطة في حلفاء الولايات المتحدة اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا. يحدث ذلك على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي أعقاب الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان، الأمر الذي أثار تساؤلات حول مصداقية الولايات المتحدة واستعدادها للوفاء بالتزاماتها.
كان كيم هادئاً نسبياً على مدار عامين من انتشار الوباء، والذي تزامن أيضاً مع تخفيض التدريبات بالذخيرة الحية بين الولايات المتحدة وجمهورية كوريا من قبل إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي لم تسفر محاولاته في الدبلوماسية الشخصية عن نتائج ملموسة فيما يتعلق بنزع أسلحة كوريا الشمالية النووية. الآن ليس من المحتمل أن يفوت كيم الشهرة الدولية التي حققها خلال تلك السنوات فحسب، بل تواجه كوريا الشمالية أيضاً ضغوطاً شديدة على نحو متزايد من مجموعة من العقوبات الدولية والوباء والتضخم العالمي.
لذلك تتزايد التكهنات في واشنطن وسيول بأن كيم قد يستخدم التدريبات لتبرير إجراء تجربة نووية أخرى، وهو شيء لم يفعله منذ النسخة السادسة من التدريبات في سبتمبر 2017. ويسعى كيم أيضاً إلى التقرب من الكرملين من خلال التعهد بتقديم الدعم العسكري وعمال مؤقتين لقوات الغزو الروسي في أوكرانيا. رداً على ذلك، سيعرض الكوريون الجنوبيون برنامجاً تدريبياً للدفاع المدني، من شأنه أن يسهم في تثقيف المدنيين في الرد على أي هجوم وتقديم الدعم اللوجيستي لجيشهم.
ستستخدم «Ulchi Freedom Shield» أيضاً الدروس التي تستخلصها الجيوش في جميع أنحاء العالم من الأحداث في أوكرانيا والتي تتمثل في أهمية طائرات «درون» المتقدمة، والتعاون المدني العسكري، والدفاع الجوي ضد الهجمات التي يجري إطلاقها على البنية التحتية الحيوية ونقاط ضعف الدبابات والمركبات المدرعة الأخرى حال جرى نشرها بدون ما يكفي من دعم الأسلحة المشتركة. قبل كل شيء، ترغب كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في اختبار قدراتهما اللوجيستية، والتي كانت تفتقر إلى ذلك من جانب القوات الروسية في شبه جزيرة القرم.
في الماضي، كانت هذه التدريبات تضم 200 ألف جندي كوري جنوبي ونحو 30 ألف جندي أميركي متمركزين في شبه الجزيرة. سيتم نشر عناصر مهمة من الأسطول الأميركي السابع، ومقره اليابان، والسفن البرمائية المرتبطة به من «ساسيبو» القريبة، في اليابان، للمشاركة في المناورات الحربية.
ثمة تطوران آخران يبرزان أهمية التدريبات وشكلها؛ الأول هو انتخاب الحكومة الأكثر تحفظاً وتأييداً للدفاع في تاريخ كوريا الجنوبية الحديث، بقيادة الرئيس الذي تم تنصيبه للتو، يون سوك يول. وقد تعهدت الإدارة الجديدة في سيول بزيادة دفاعية قوية، واكتساب تقنيات عسكرية جديدة وتعاون عسكري أكبر مع الولايات المتحدة وحلفاء غربيين آخرين في المنطقة.
العنصر الثاني المهم هو الرفض المفاجئ من قبل كيم لعرض السلام من سيول. عرض الكوريون الجنوبيون اقتراحاً شاملاً بالمزايا الاقتصادية مقابل نزع السلاح النووي (لا يختلف تماماً عن الحزمة التي قدمتها واشنطن في عهد الرئيس ترمب). وعد الجنوب بتقديم مساعدات غذائية وزراعية وبنية تحتية صحية ومزايا أخرى - لكنه لم يتطرق للعقوبات الشديدة التي يغضب الكوريون الشماليون بموجبها. من خلال دورها كمتحدثة باسم كوريا الشمالية، شجبت شقيقة كيم، السيدة كيم يو، جونغ بازدراء العرض ووصفته بأنه «غبي»، وواصلت إلقاء اللوم على تفشي وباء «كوفيد - 19» في الشمال على كوريا الجنوبية ووعدت بـ«الانتقام المميت».
تواصل جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وتيرة قياسية في إجراء تجارب صاروخية كبرى - أكثر من 30 تجربة صاروخية قابلة للزيادة، أكثر من أي عام آخر. وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً عابراً للقارات لأول مرة منذ خمس سنوات. تقف كوريا الشمالية والجنوبية في مسار تصادمي، والشرارة التي قد تزيد من التوترات العالية بالفعل هي التدريبات، ولكن أيضاً هناك التجربة النووية المحتملة.
لذلك يجب على الولايات المتحدة أن تستمر في دعم كوريا الجنوبية بقوة، وليس فقط من أجل الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها. ورغم أن دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا قد خفف بعض الضرر الذي لحق بمصداقية الولايات المتحدة من خلال انسحابها من كابل، فإن سلوكها يخضع للمراقبة من كثب. ويتابع الشركاء في حلف «الناتو» الأحداث في المحيط الهادئ، حيث يقررون مدى قوة دعم القيادة الأميركية في أوكرانيا في الشتاء البارد القادم. وكذلك الأمر بالنسبة للرئيس الصيني شي جينبينغ، وهو يتخذ خطوته التالية في تايوان.
هناك الكثير من الرهانات على التنفيذ الناجح لهذه التدريبات - مع ما يترتب على ذلك من عواقب من شأنها أن تمتد إلى ما هو أبعد من شبه الجزيرة.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»