د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

التنازع على طرابلس الليبية

العاصمة الليبية طرابلس، عروس البحر المتوسط، رهينة الميليشيات بشتى أنواعها وتنوع انتماءاتها، بدءاً من ميليشيات «الإخوان» و«المقاتلة» (فرع «القاعدة» الليبي) إلى تحالف عصابات المجرمين والفارين من سجون الدولة الليبية بعد حراك فبراير (شباط) 2011.
هذه الأيام هناك ترقب كبير لنشوب معارك للسيطرة على العاصمة الليبية المتنازع عليها بين ميليشيات ترهن سكانها دروعاً بشرية، وتبتز الحكومات المتعاقبة على العاصمة، وحكومتين تتنازعان الشرعية، ولكن اليوم نتوقع أن ينشب الصراع المسلح بين حكومتين تتنازعان الشرعية؛ حكومة الاستقرار التي عيّنها البرلمان المنتخب بعد أن سحب الثقة من حكومة «الوحدة الوطنية» التي تعتبر منتهية الولاية بحكم قرار البرلمان (السلطة الشرعية)، إلا أن الأخيرة (حكومة الوحدة الوطنية) تمسكت بالبقاء في السلطة، بل استخدمت أموال الدولة الليبية لتسخير الميليشيات في طرابلس للقتال إلى جانبها في حالة دخول حكومة الاستقرار العاصمة طرابلس بأي شكل، ولو كان سلمياً.
التنازع على العاصمة طرابلس قد يهدد السكان، خاصة أنها تكتظ بساكنيها، ولهذا كان اقتراح عاصمة بديلة في مدينة سرت الليبية مثلاً، وخاصة أن بها مجمعاً إدارياً ضخماً يمكن أن يستقبل الحكومة والوزارات، ويبعد مدينة طرابلس عن إراقة الدماء، خاصة أن المسلحين والميليشيات يتمترسون خلف السكان والأحياء المدنية، مما يعرقل أي عمل عسكري غير مدروس، وخاصة أن هذه الميليشيات لا تراعي أي قواعد اشتباك وليست لديها خطوط حمراء في استخدام أنواع الأسلحة.
الحكومتان الشرعية «الاستقرار» والمنتهية الولاية «الوحدة الوطنية» مطلوب منهما تغليب صوت العقل والحكمة على أي عمل يمكن أن ينتهي بإراقة دماء وتدمير البنية التحتية للمدينة، فالمنتصر في أي معركة في طرابلس سيكون خاسراً للشعب والوطن، فالخلاف السياسي يمكن حله بالتفاهم أو التوافق أو حتى عبر القضاء وليس عبر أفواه البنادق والمدافع، فالاحتكام لصناديق الذخيرة ستكون نتيجته كارثية على الجميع، خاصة أن كلا الرجلين «رئيسي» الحكومتين مترشحان للانتخابات الرئاسية.
التنازع على العاصمة، والمعركة إن نشبت، فلن يكون بين الحكومتين المتنازعتين، بل سيجر وراءه جميع من يرى في العاصمة طرابلس غنيمة له من الميليشيات، خاصة المؤدلجة، التي تسيطر على مناطق مهمة في العاصمة، وسوف تتحالف مع الميليشيات النفعية الأخرى التي تستخدم كبندقية مستأجرة لمن يدفع أعلى سعر. بينما البعثة الأممية التي فشلت في جمع الأطراف لتحقيق انتخابات تخرج البلاد من الانسداد السياسي، واكتفت من خلال نتائجها بالدعوات إلى عدم استخدام القوة لحل هذا الانسداد السياسي الذي دعت إلى حله عبر الانتخابات الديمقراطية، في تناقض واضح لدى البعثة الدولية، خاصة أن إفشال الانتخابات تتشارك فيه البعثة الدولية مع الفرقاء الليبيين، إذ خذلت نحو ثلاثة ملايين ليبي سجلوا في قوائم الانتخابات كناخبين، كما خذلت المترشحين، سواء الرئاسيين أو البرلمانيين، علاوة على ترشح شخصيات «جدلية» ترفضها دول السفراء المتدخلين في الأزمة الليبية.
العاصمة طرابلس ليست عقاراً تمتلكه تلك الميليشيات بمختلف مشاربها الجهوية والمؤدلجة والنفعية، ولا تمتلكها أي حكومة سواء كانت شرعية أو منتهية الولاية، ولهذا فإن الأفضل هو الخروج من عقدة «العاصمة» التي لا بد أن تكون طرابلسية، فكثير من دول العالم استبدلت عواصمها تجنباً للخطر أو لأجل تحقيق منفعة عامة أو تجنب حرب، ولهذا نرى أنه لتجنيب مدينة طرابلس حرباً قد تزهق أرواح أبرياء وتدمر البنية التحتية، من أجل أن تنزع حكومة وتثبت أخرى نهايتها تكون رهينة تحت الميليشيات تبتزها كيفما تشاء، ولهذا يعتبر الخروج من طرابلس واتخاذ عاصمة أخرى بديلة مؤقتاً هو الخيار الذي سيجنب البلاد والعباد كارثة قد لا نعرف حجم عواقبها، فكون العاصمة يجب أن تكون طرابلس ليس نصاً مقدساً لا يمكن تغييره أو تبديله لأجل إنقاذ شعب.