الواقع أنني أملك بعض الآراء القوية القليلة بشأن شخصيات الأفلام بأكثر من وجهة نظري إزاء ميراندا بريستلي، مديرة مجلة الأزياء الأكثر طلباً في فيلم «ديفل ويرز برادا»، بأنها هي بطلة الفيلم في واقع الأمر. ليست بطلة غير معقدة، وهي بالتأكيد ليست شخصية لطيفة. لكنها شخصية تستأهل الاحتفاء بها برغم ذلك: شخصية صعبة المراس، تتخذ قراراتها عن طريق التواصل مع الثقافة الأوسع نطاقاً، والتي يمكن لذوقها الفريد أن يؤثر على وجه العالم.
في واحدة من مقطوعات الفيلم الشهيرة، تشرح ميراندا كيف أن سترة مساعدتها الزرقاء الرخيصة - عفواً، ذات اللون السماوي - في الواقع هي «معطف اختاره لك الناس في هذه الغرفة»، أي نقطة النهاية لعملية تجارية جمالية معقدة تبدأ بفكرة واحدة عبقرية.
أنا لست من عشاق الموضة (بعبارة معتدلة)، لكني ما زلت أحب هذا المشهد. لقد دُهشت لمقال لأماندا مول الأخير في «ذي أتلانتيك» الذي يشير إلى التقادم الفني. إذ تقول مول: لم تعد ميراندا بريستلي تتحكم في الموضة بعد اليوم، بل إنها اللوغاريتمات.
تبدأ مقالتها بمفارقة ظاهرية: ففي الوقت الذي أصبح فيه لدينا «قدر من الخيارات الاستهلاكية أكبر من أي وقت مضى، على الأقل وفقاً للحجم الهائل من المنتجات المتاحة»، كما تقول، «فإن كثيراً من الملابس التي ينتهي بها المطاف في المتاجر تبدو متماثلة على نحو بالغ الغرابة». والتفسير الذي تقترحه لذلك أن الموضة أصبحت منفصلة على نحو مزداد عن «أفكار الأفراد وغرائزهم الإبداعية»، وأنها صارت موجهة بدلاً من ذلك بمجموعة من نماذج الإنتاج الأرخص، وأنظمة التنبؤ التي تستبعد التخمين من الاتجاهات السائدة. فالإنتاج يزخر بالأزياء الحديثة، لكن اللوغاريتمات تتضاعف حول أي شيء يُباع بصورة أسرع.
كما هو متوقع، «عندما يبدأ العدد الكافي من العلامات التجارية وتجار التجزئة في استخدام أساليب التخزين والجرد هذه، وأساليب التنبؤ بالاتجاهات، تتجانس النتائج كلها بمرور الوقت». كل شيء شائع، ولكن لا شيء منها هو ما لم تكن تعرف أنك تريده. وحتى الملابس التي تبدو كأنها مستحدثة ظاهرياً تكون ذات غرض آخر في العادة - «مزركشة بتفاصيل جديدة»، لكن نفس الفستان هو نفسه لم يتغير.
هذا التكرار اللوغاريتمي ليس اتجاه الموضة فحسب، بل إنها الروح السائدة عبر كثير من المجالات الثقافية. ما تُلاحظه مول حول الملابس، كان الناقد تيد غيويا يُحلله بشأن الموسيقى، حيث يقدم عصر تطبيق «سبوتيفي» ما جرى اختباره وثبوت شيوعه مسبقاً، بينما فرص الفنانين الجدد تتضاءل بمرور الوقت. بدلاً من الدخول في عملية الاكتشاف، يتنقل متصفح الموسيقى على الإنترنت باستمرار إلى الوراء ـ وليس إلى نوع من التواصل الموسع للوعي مع تاريخ الموسيقى الكلاسيكية، وإنما رجوعاً إلى «بروس سبرينغستين»، و«بول سيمون»، و«ديفيد بوي»، في حلقة لا نهاية لها من عصر الطفرة السكانية.
بحسب أبحاث السوق الحديثة، يلاحظ غيويا، «أن سوق الموسيقى الجديدة تتقلص في الواقع»، حتى مع أن «أكبر الاستثمارات في الموسيقى هو حيازة كتالوغات النشر القديمة، لكن لا يُنفق شيء تقريباً على تطوير الفنانين الجدد». وهذا يواكب التطورات في السينما والتلفزيون كذلك - قاعدة الأبطال الخارقين، وهيمنة المسنين من كبار نجوم السينما على شباك التذاكر، والشعور بنمط معين من البث التلفزيوني، عادة عبر شبكة «نتفليكس»، الذي يبدو أن مؤلف الذكاء الصناعي قد كتب السيناريو مقلداً لـ16 عملاً تلفزيونياً ناجحاً من قبل.
لكن لا أريد إلقاء اللوم في هذه الأنماط على التكنولوجيا وحدها. يمكن للناس أن يختاروا أن يحكمهم التفكير اللوغاريتمي، من دون تشغيل برنامج بعينه لمعرفة ما هو شائع. وحقيقة أن لدينا شكلاً محدداً من التكنولوجيا التي تيسّر القضاء على المخاطر والإبداع، ومن الصعب فصلها عن الميول الأوسع نحو التصلب، والتكرار، أو ما قضيت وقتاً طويلاً في تأليف كتاب لأسميه «الانحطاط».
لننظر إلى بعض الخلافات الأخيرة في الطب والأبحاث الطبية، مجالات بعيدة عن عالم ميراندا بريستلي. أولاً، كان هناك الكشف عن أن مليارات الدولارات وسنوات من أبحاث ألزهايمر كانت مستندة إلى دراسات يبدو أنها تتضمن افتراءات كبيرة. وإذا تأكد الأمر، فهذا مثال رائع عن أن المؤسسة الطبية تسير في زقاق مسدود وباهظ التكلفة للغاية، من دون المشككين الذين يحاولون الحصول على التأكيد الكامل لنحو عقد ونصف العقد من الزمان.
ثانياً، هناك المناقشة المستمرة، مرتبطة بدراستين نُشرتا في الربيع والصيف الجاريين، حول كيف وما إذا كانت مضادات الاكتئاب الأكثر شيوعاً تعمل فعلاً. هناك مبالغات واضحة في قراءة بعض الأبحاث الجديدة من جانب نقاد الطب النفسي. إنَّ الافتراضات التي تؤكد أن الاكتئاب تشتمل على عناصر كيميائية مهمة، وأنَّ مضادات الاكتئاب تساعد الناس، لا سيما المصابين بالاكتئاب الشديد، لم تظهر إلى الوجود على نحو مفاجئ. لكن كلتا الدراستين تضيف زخماً إلى الشك القوي بأن هذه العقاقير يُغالى في وصفها وبيعها بصورة كبيرة ـ وأننا جعلناها استجابة افتراضية للبؤس في أواخر العصر الحديث، بناء على التفكير الجماعي المتفائل بأكثر من الاستناد إلى الأدلة البحثية المؤكدة.
يعد الغش المحتمل والمبالغة في وصف الأدوية نوعين مختلفين من المشاكل القائمة، لكن كلاهما يُوضّح كيف يمكن للحوافز الثقافية والمؤسسية السيئة القضاء على الإبداع تماماً، كما الحال بكل تأكيد في لوغاريتمات «نتفليكس». سيل من الدولارات البحثية والوصفات الطبية يسير في الاتجاه الخاطئ، لأنَّ الجميع يريد تقليد الآخرين، هو المعادل العلمي لكل شخص يصنع الفستان نفسه، لأن ذلك يبدو ما يريده المستهلك ـ لا توجد لوغاريتمات حرفية في العمل، بل مجرد «عقلية الخلية» المغلقة، التي تتصارع فيها الأصوات حتى يتسنى الاستماع إليها.
هذا النوع من الأنظمة غير قابل للتأثر بالابتكار أو الانتقاد، وإلا فلن يُكتشف الاحتيال العلمي أبداً، ولن تخسر شركة «نتفليكس» ما يقرب من مليون مشترك في الآونة الأخيرة.
لكن مقاومة قاعدة اللوغاريتمات تتطلب طاقة وإبداعاً وشجاعة، والخطر هو أن مهاراتنا التكنولوجية وإنهاكنا الثقافي يعملان معاً، للدفاع عن الانحطاط وإغلاق سُبل الهروب.
* خدمة «نيويورك تايمز»
TT
هل يمكننا مقاومة عصر اللوغاريتمات؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة