د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

همسة في أذن الانتهازي!

الانتهازي من فشلت مساعيه فاختار أقصر وأرخص الطرق لبلوغ أهدافه. فالانتهازيون يجيدون الصعود على أكتاف من ساعدهم، ويقدمون مصالحهم، على مصلحة الآخرين، ويضربون بالمصلحة العامة عرض الحائط عندما تتعارض مع مراميهم.
لا يميل الانتهازي نحو الإنصاف، لأنه يعدّه ضعفاً. والعلاقات الاجتماعية في نظره، مجرد جسر للوصول إلى مطامعه حتى لو كانت على حساب غيره. هو شديد التلون، ليتكيف بخبث مع البيئة المحيطة. مثل الحرباء ما إن يزول الخطر حتى تعود إلى لونها المعتاد.
لا يتورع الانتهازي عن المشاركة في نصب المصائد لغيره، لاعتقاده بأن التخلص من الخصوم يمهد له طريق النجاة. تخيم على عقله فكرة التشبث بطوق النجاة لأنه لا يحسن السباحة، ولذلك فهو يسبح عكس تيار القيم السائدة. يعتقد أن عمره طويل، لكنه يحفر مصيره أو «قبره» بيديه.
تثار حفيظته عندما تتقاطع مصالحه مع الآخرين، فهو يرى فيهم خطراً محتملاً، لأن «التنافس الشريف» مصطلح ليس موجوداً في قاموسه. فالتنافس يتطلب جداً واجتهاداً، واعتماداً على الذات، غير أن الانتهازي يحبذ الطرق المختصرة (short cuts).
ومهما علمته وساندته ومكنته لن يتردد الانتهازي في التضحية بك بالوقت المناسب. ولذلك قال الشاعر:
أعَلِّـمُهُ الرِّمَـايةَ كُلَّ يَـومٍ فَلمَّـا اشْتَدَّ سَاعِدُه رَمانِي
وَكَمْ عَلَّمْتُـهُ نَظْمَ القَوَافي فَلَـمَّـا قَالَ قَافِيةً هَجـانِي
ولهذا فإن طريقته التدريجية في الانتقام تكمن في تشويه منافسيه؛ بتضخيم أخطائهم، أو التصيد، أو الوشاية، أو النكاية.
ومهما كثر معشر الانتهازيين، فقد «دنا زوالهم». لأنهم يجمعون حولهم بصفاقة أنصاف المهنيين، وأنصاف الموهوبين، وإذا ما وُسِدَ إليهم الأمر لم يضعوا الشخص المناسب في المكان المناسب، وهذه أسرع وسيلة للوقوع في أخطاء فادحة.
ولأن كثيراً من الانتهازيين لا يصغون جيداً، فإننا نهمس في أذن من عينهم: تذكر أنه في كل مرة تستقطب فيها انتهازياً فإنك تنفر ثلة من المتفانين من حولك. وكلما اتسعت رقعة صلاحيات الانتهازيين ضاقت على المخلصين بيئات العمل بما رَحُبَت.