أمير طاهري
صحافي إيراني ومؤلف لـ13 كتاباً. عمل رئيساً لتحرير صحيفة «كيهان» اليومية في إيران بين أعوام 1972-1979. كتب للعديد من الصحف والمجلات الرائدة في أوروبا والولايات المتحدة، ويكتب مقالاً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» منذ عام 1987.
TT

جائزة نوبل للسلام للرباعي المشبوه!

بإبرامه اتفاقا بشأن الأسلحة الكيماوية في سوريا، أثار الرئيس باراك أوباما قدرا من الهمهمة حول أسلوبه في القيادة. يتحدث أصدقاؤه عن انقلاب دبلوماسي، بينما يزعم خصومه أنه ارتكب خطأ لم يكن أي رئيس أميركي آخر ليسمح لنفسه بارتكابه. ووجهتا النظر مثار جدل.

ربما يكون اتفاق كيري - لافروف انقلابا دبلوماسيا بالنسبة لموسكو، ولكنه ليس بهذه الصورة بالنسبة لواشنطن. لقد تمكن فلاديمير بوتين من إعادة صياغة المسألة السورية بالطريقة التي أرادها.

لنتعرف على ماهية المشكلة السورية من البداية. إنها كانت متعلقة بثورة حشود ضخمة من السوريين ضد نظام حرمهم من حقوق الإنسان الأساسية. كذلك، كانت مرتبطة بنظام يحاول قمع الثورة بقتل عشوائي لمتظاهرين سلميين. على مدار فترة الثلاثين شهرا الماضية، كان يسقط نحو 100 قتيل في سوريا كل يوم. لقد قصفت القوات الجوية السورية عشرات المدن ومئات القرى لتتحول إلى حطام.

تطلبت تلك المشكلة تدخلا لوقف المذبحة ومساعدة السوريين في إيجاد وسيلة لاتباع نظام جديد يضمن حقوقهم الإنسانية الأساسية.

الآن، أعاد بوتين صياغة كل من المشكلة والحل. لقد أضحت المشكلة ممثلة في ترسانة أسلحة سوريا الكيماوية. أما الحل، فأصبح وضع تلك الترسانة تحت المراقبة الدولية مع وضع فكرة تفكيكها في الحسبان. تم التغافل عن المشكلة الحقيقية، وهي سياسة الحكم بالمذابح التي ينتهجها النظام.

الجدول الزمني المتفق عليه مثير. أمام سوريا مهلة حتى «منتصف الشهر المقبل»، وهو مصطلح مبهم في حد ذاته، لتفكيك أسلحتها. وتلك تحديدا هي الفترة المتبقية من مدة رئاسة بشار الأسد. من البداية، أعلن بوتين أنه لن يسمح بخلع الأسد. والآن، يضمن ذلك أوباما أيضا. ينبغي أن يبقى الأسد في السلطة لتنفيذ اتفاق الأسلحة الكيماوية.

بتنحية شعار «على الأسد الرحيل» جانبا، يوافق أوباما ضمنيا على أن الحاكم المستبد يمكنه حتى أن يبحث عن تفويض رئاسي آخر في يونيو (حزيران) 2014.

كل ما فعله أوباما هو توظيف فن حل مشكلة ثانوية لتجنب مواجهة المشكلة الحقيقية.

وعلى الرغم من ذلك، فإن أوباما ليس أول من يوظف ذلك الفن الخبيث.

ربما يساعد استعراض بعض الأمثلة من التاريخ الأميركي الحديث في توضيح تلك النقطة.

في أكتوبر (تشرين الأول) 1962، مزق العالم ما يعرف باسم أزمة الصواريخ الكوبية.

كانت الأزمة متعلقة بنصب صواريخ سوفياتية في كوبا قادرة على حمل رؤوس حربية نووية. وانتهت أزمة الثلاثة عشر يوما بموافقة موسكو على سحب الصواريخ.

لقد أصبحت المواجهة جزءا من الأسطورة الأميركية، من خلال تصوير الرئيس جون كيندي كقائد مثالي أجبر زعيم الاتحاد السوفياتي نيكيتا خروشوف على الانسحاب الاستراتيجي. وكما هو الحال دائما، كانت الحقيقة مختلفة إلى حد ما.

قامت موسكو بنصب الصواريخ لسببين:

أولا، أرادت أن تضمن أن واشنطن لن تحاول مجددا الإطاحة بالنظام الشيوعي لفيديل كاسترو. وبعد فشلها الذريع في خليج الخنازير، كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تخطط لاتخاذ خطوات جديدة ضد كاسترو.

ثانيا، أراد خروشوف أن يقوم كيندي بتفكيك صواريخ «الجوبيتر» المسلحة نوويا والتي قد نصبت في عام 1961 في تركيا على الحدود السوفياتية.

حقق خروشوف الهدفين. لم تتخذ الولايات المتحدة أي خطوات ضد كاسترو الذي ما زال نظامه يقمع الكوبيين حتى يومنا هذا. علاوة على ذلك، فقد أزال كيندي صواريخ «الجوبيتر» من تركيا.

على مر السنين، استغلت موسكو كوبا في حروب بالوكالة ضد الولايات المتحدة وحلفاء في أميركا اللاتينية وأفريقيا، بل وحتى جنوب اليمن وعمان. وعلى الرغم من ذلك، فقد تم تصوير كيندي على أنه بطل، من خلال غناء مارلين مونرو في عيد ميلاده واعتقاد الأميركيين أنهم قد حققوا انتصارا.

قد يتمثل الحل للمشكلة الحقيقية في تغيير النظام في كوبا. ابتعد كيندي عن المشكلة الحقيقية وضلل الأميركيين بالتعامل مع المشكلة الثانوية التي خلقها خروشوف.

أما المثال الثاني، فيتعلق بمحاولات العديد من الرؤساء الأميركيين، من بينهم جيمي كارتر ورونالد ريغان، حل المشكلات الثانوية في العلاقات مع الاتحاد السوفياتي بتجاهل المشكلة الحقيقية.

كانت المشكلة الحقيقية هي أن الإمبراطورية السوفياتية اعتبرت الأنظمة الديمقراطية الرأسمالية الغربية «العدو» وسعت لتوحيد العالم تحت مظلة الشيوعية.

كان حل المشكلة الحقيقية يكمن في تغيير النظام. غير أن الرؤساء المتعاقبين تعاملوا مع مشكلات ثانوية من بينها محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية التي أدت لمجموعة من المعاهدات. بعد أربعة عقود من بدء المحادثات، ما زالت روسيا تمتلك كما من الأسلحة النووية يكفي لتدمير العالم عدد مرات لا يقل عن 12 مرة – وهو انخفاض عن 22 مرة في عام 1970. ولتهدئة موسكو لمواصلة المحادثات، منحت واشنطن الدعم للاقتصاد السوفياتي المفلس، خاصة مع الانفراج السياسي. نال هينري كسينغر سمعة كأذكى دبلوماسي منذ مترنيخ. كان ما فعله في واقع الأمر هو المساعدة في مد عمر «الإمبراطورية الشريرة».

يتمثل مثال ثالث، على مستوى أضيق نطاقا، في «حل» الرئيس بيل كلينتون المشكلة بين البوسنة والهرسك. نفذ الحل من خلال ريتشارد هولبروك الذي أتى بالفصائل المتناحرة إلى أوهايو من أجل إبرام اتفاق. انتهى الحال بالصرب إلى ضمان كل أراضيهم التي استحوذوا عليها بوسائل غير مشروعة بما فيها مناطق التطهير العرقي للمسلمين داخل الجمهورية الصربية. وفي المقابل، وعدوا بعقد «محادثات بناء الثقة» خلال 45 يوما. لقد أراد هولبروك انقلابا دبلوماسيا حتى وإن تطلب هذا تبني مكاسب إقليمية تتحقق بواسطة التطهير العرقي.

لنعد إلى سوريا.. هل يعني اتفاق كيري – لافروف أن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا 14 مرة لم يعد يعتبر جريمة حرب؟ هل على المرء افتراض أن هؤلاء الذين يرتكبون تلك الجرائم لم يعودوا يواجهون عقوبة في ظل القانون الدولي؟ هل يجب أن نرشح الرباعي المشبوه الممثل في كيري ولافروف وبوتين والأسد لجائزة نوبل للسلام؟ لقد فاز بها أوباما من قبل مع أنه لم يفعل أي شيء.