بيتر كوي
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

أميركا بين «كوفيد» واليأس والملل

حصد فيروس «كوفيد - 19» أرواح كبار السن في غالب الأمر. لكن منذ أن بدأ الوباء، ارتفع معدل الوفيات من كل الأسباب بين البالغين الأصغر سناً بنسبة أكبر من معدل الوفيات من جميع الأسباب لدى كبار السن. عندما سمعت هذه الإحصائيات اعتقدت بوجود خطأ ما. إذا كان «كوفيد» يحصد أرواح السكان الأكبر سناً، فكيف يمكن أن يكون البالغون الأصغر سناً هم الذين ارتفعت معدلات وفياتهم بأكبر نسبة؟ لكي أتحقق بنفسي، قمت بتحميل إجماليات الوفيات حسب العمر في الولايات المتحدة من المركز الوطني للإحصاءات الصحية. يكمن تفسير هذا الشذوذ الإحصائي -كما هو مبيّن في جدول الاستطلاع- بأن خط الأساس لمعدل الوفيات بين البالغين الأصغر سناً منخفض للغاية، لذا حتى النسبة المئوية الكبيرة للزيادة فيه تمثل وفيات إضافية أقل من الزيادة المتواضعة في نسبة الوفيات بين كبار السن. أحد ردود الفعل على هذه الأرقام هو القول بأنها تصرف الانتباه عن الخسائر الفادحة لفيروس «كورونا» على كبار السن. ولكنّ هناك رد فعل آخر مفاده أن الزيادة في الوفيات بين البالغين الأصغر سناً هي في حد ذاتها صادمة ولا بد من النظر إليها بشكل أكثر دقة. ويبيّن الجدول أن عدد الأشخاص الذين ماتوا من جميع الأسباب في الولايات المتحدة سنة 2021 والذين تتراوح أعمارهم بين 25 و44 سنة، كان أعلى بنسبة 52 في المائة من عدد الأشخاص الذين ماتوا في عام من 2015 إلى 2019، وهذه زيادة هائلة لا بد أن تتصدر عناوين الصحف الرئيسية، إن لم يكن بسبب مأساة أكبر، يمكن القول إنها وفيات «كوفيد» بين كبار السن. في دراسة نُشرت الشهر الحالي، وصف تقرير عمل للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية ارتفاع عدد الوفيات بين الأميركيين الأصغر سناً بأنه «حالة طوارئ صحية تاريخية ولكنها غير معترف بها إلى حد كبير». ويتساءل التقرير ما إذا كان الشباب البالغون يعانون من «أضرار جانبية» ناتجة عن سياسات مثل الإغلاق الشامل التي كان المقصد منها حماية كبار السن. لم يكن «كوفيد» هو القاتل الأشد بين البالغين تحت سن 45 عاماً، وفقاً للدراسة التي أجراها كيسي موليغان من جامعة شيكاغو رفقة روبرت أرنوت، رئيس شركة «ريسيرش أفيلياتس» الاستثمارية في نيوبورت بيتش بولاية كاليفورنيا. لقد كانت الكثير من الوفيات الزائدة ترجع بشكل غير مباشر إلى اليأس أو الملل.
تقول الدراسة إن «المخدرات، وجرائم القتل، والوفيات الناجمة عن حوادث السير، والحوادث الناجمة عن تناول الكحول، قتلت عشرات الآلاف من الشباب بأكثر مما قتلت في الماضي»، «وازداد أيضاً عدد الوفيات من مختلف أمراض الدورة الدموية، والسكري». ولم تسجل الدراسة ارتفاعاً في حالات الانتحار، رغم أن الوفيات المتعلقة بالكحول وجرعات المخدرات الزائدة يمكن عدّها أيضاً عواقب لسلوكيات مدمِّرة للذات. ولم تزد الوفيات، في المتوسط، بين القاصرين. أيضاً تنوعت أسباب الوفاة بين الراشدين الذين تتراوح أعمارهم بين 45 و64 سنة، فوجدوا أن نسبة وفياتهم «كانت من فيروس مَرضيّ مرتفعة أيضاً، ولكن مع كل الأسباب المرتفعة تقريباً المرتبطة بحالات مزمنة كأمراض الدورة الدموية، أو داء السكري، أو السمنة، أو مرض الكبد بدلاً من القتل أو حوادث المرور». وكتبوا يقولون: «يشير كل هذا إلى أن التغيرات الكبيرة والمستمرة في العادات المعيشية المصممة لتجنب فيروس واحد لم تكن لها تكاليف الفرصة الاقتصادية فحسب، بل تكلفة أعداد كبيرة للغاية من الشباب كذلك».
لست متأكداً من أنني أتفق مع ما قاله المؤلفان من أن الولايات المتحدة قد تجاوزت الحدود في محاولة السيطرة على فيروس «كورونا»، ولكن سواء وافق أحد على ذلك أم لا، فمن المهم معرفة الحقائق. من جهة أخرى، طلب مني قارئ هذه الرسالة الإخبارية، وهو مواطن متقاعد من نيويورك طلب عدم الكشف عن هويته، أن أنظر فيما إذا كان عدد الوفيات بسبب فيروس «كورونا» سوف يُحسن من تمويلات الضمان الاجتماعي من خلال (عفواً لفظاظة العبارة) مقتل بعض المستفيدين. ليس الجواب واضحاً من التقرير السنوي لأمناء صناديق الضمان الاجتماعي لعام 2022، الذي صدر في 2 يونيو (حزيران) الجاري. لذا، أجريت مقابلة مع ستيفن غوس، كبير الخبراء الاكتواريين بالضمان الاجتماعي. وقال إنه من المتوقع أن يكون تأثير فيروس «كورونا» على صناديق الائتمانات على المدى الطويل ضئيلاً. وقال حول أحد الأسباب إن الكثير من كبار السن الذين تُوفُّوا بسبب فيروس «كورونا» في العامين الماضيين كانت لديهم مشكلات صحية أخرى، وكانت المنية توافيهم في وقت قريب نسبياً بسبب مرض آخر. والسبب الآخر أنه بعد وفاة أحد المستفيدين، يحصل الزوج على إعانة إضافية في كثير من الحالات التي تعوّض بعض المدخرات لصناديق الائتمانات. وقال السيد غوس إن هناك عاملين متنافسين للتأثير طويل الأجل لفيروس «كورونا» على معدلات وفاة المستفيدين: الأول هو أنها سوف تكون أقل لأن الناس الذين بقوا على قيد الحياة في الأمد القريب كانوا أصحاء بطبيعتهم أكثر من أولئك الذين رحلوا، والآخر هو أن معدلات الوفيات ستزداد بالنسبة لمن لم يموتوا بعد وقت قصير من إصابتهم بـ«كوفيد» لأن الكثيرين قد أصيبوا به إلى حد ما، وسيموتون قبل الأوان. ومن المرجح أن تكون هذه العوامل معادلة إلى حد كبير مع تأثير صافٍ ضئيل على معدلات الوفاة على المدى البعيد. وأضاف قائلاً: «سوف يستغرق الأمر منّا سنوات لتحديد ما إذا كان هذا الافتراض ملائماً».