«بالتأكيد هذا أمر صحيح عملياً، لكن هل يصح من الناحية النظرية؟» - على امتداد سنوات، سمعت مثل هذا الحديث الأكاديمي المتغطرس على ألسنة مختلفة تتنوع ما بين مثقفين فرنسيين وعلماء اقتصاد في جامعة شيكاغو. ومع ذلك، بدأت أفكر في الآونة الأخيرة في الأمر بنفسي - تحديداً فيما يخص الطرف الصقوري في إطار الجدل حول حرب أوكرانيا، التي حققت سياساتها العملية حتى الآن نتائج إيجابية، ولكن نظرياتها الأعمق عن الصراع لا تزال تبدو إما غير قابلة للتصديق أو غير قابلة للتطبيق أو تنطوي على قدر كبير من الخطورة.
من جانبي، لم أكن من صقور أوكرانيا قبل اندلاع الحرب، فقد شعرت أن الولايات المتحدة قد أفرطت في الرقعة التي تمتد عليها بتركها الباب أمام عضوية الناتو نصف مفتوح، ورأيت كذلك أن شرق أوكرانيا، على الأقل، لا يمكن الدفاع عنه ضد العدوان الروسي من دون التزام عسكري أميركي كامل. وربما كان إرسال الأسلحة إلى كييف أمراً منطقياً، لكن كوسيلة لتعطيل التوغل الروسي في نهاية المطاف، وليس إيقافه تماماً. كما بدا الانهيار الأوكراني، من النوع الذي رأيناه من حكومتنا العميلة في أفغانستان، ضمن نطاق الاحتمالات القائمة.
إلا أن الحرب نفسها تحدت هذه التوقعات، وثبت أن الصقور على حق بشأن قدرة أوكرانيا البسيطة على القتال. وثبت كذلك أنهم على حق في أن الأسلحة الأميركية يمكن أن تساعد بالفعل على تخفيف حدة الاجتياح الروسي، وليس فقط خلق تمرد خلف خطوطه. كما أن قراءتهم النفسية عن الرئيس فلاديمير بوتين قد ثبت صحتها جزئياً: ذلك أن اختياراته تشير إلى أنه رجل يتحرك بدافع قوي لاستعادة الماضي الإمبريالي والدفاع في مواجهة حلف الناتو، كما أن إدارته للحرب تثبت أنه ليس هناك سلام دائم، حتى في ظل التنازلات الأوكرانية.
لذا في مجال السياسة العملية حتى الآن، انضممت إلى الصقور. لقد نجح دعمنا العسكري لأوكرانيا، فقد نجحنا في حماية دولة ذات سيادة وأضعفنا خصماً لنا من دون تصعيد خطير من الجانب الروسي. وفي الوقت الحالي، ومع استمرار روسيا في شن هجماتها بينما تتجنب في الغالب طاولة المفاوضات، لا يوجد أي مخرج واضح نحو السلام يمكننا إجبار كييف عليه.
ومع ذلك، عندما أقرأ النظريات الأوسع للمعلقين الصقور، وأفكارهم حول الرؤية الاستراتيجية لأميركا ونوع النهاية التي يجب أن نسعى إليها في الحرب، ما زلت أجد نفسي متحيراً بسبب ثقتهم واستبدادهم.
على سبيل المثال، ورغم كل نجاحاتهم على الصعيد الدفاعي، لم نثبت بعد قدرة الجيش الأوكراني على استعادة مساحات كبيرة من الأراضي في جنوب البلاد وشرقها. ومع ذلك، نجد آن أبلباوم في «ذي أتلانتيك» تصر على أن فقط هزيمة بوتين و«إذلاله» يمكن أن يعيدا الاستقرار إلى أوروبا، في الوقت الذي يدعو فيه كيسي ميشيل في المجلة ذاتها إلى تفكيك الاتحاد الروسي، باعتبار ذلك السبيل الوحيد للوصول إلى سلام دائم.
بجانب ذلك، خصصت الولايات المتحدة في الوقت الراهن مبلغاً استثنائياً لدعم أوكرانيا - أكثر بكثير مما أنفقناه في المساعدات الخارجية لأفغانستان في أي عام من السنوات الأخيرة، على سبيل المثال - ودعمنا يبلغ ثلاثة أضعاف الدعم الذي قدمه الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، عندما أثار مجلس تحرير هذه المجلة أسئلة حول استدامة هذا الدعم، كان رد العديد من صقور أوكرانيا غاضباً - مع تأكيد بنجامين ويتس من معهد بروكينغز، على حق أوكرانيا المطلق في القتال «حتى تحرير كل شبر من أراضيها»، ودور أميركا «المتواضع» و«الاستشاري» في صنع القرار الأوكراني.
يبدو أن كل هذه النظريات تخلط بين ما هو مرغوب فيه وما هو محتمل، وما هو مثالي أخلاقياً مع ما يمكن تحقيقه استراتيجياً. لقد كتبت سابقاً عن مخاطر التصعيد النووي في حالة انهيار الجيش الروسي، وهي مخاطر تقلل النظريات المتشددة من تقديرها. إلا أنه بالنظر إلى حالة الحرب في الوقت الحالي، فإن السيناريو الأكثر احتمالية في المستقبل القريب أن تظل مسألة الانهيار الروسي مجرد خيال، ويصبح الصراع متجمداً ومجمداً، وعلينا أن نقيم سياستنا الأوكرانية على أسس مستدامة من دون إسقاط نظام بوتين، أو تفكيك الإمبراطورية الروسية.
في هذا السيناريو، لا يمكن أن تكون خطتنا الاستمرار في كتابة عدد لا يحصى من الشيكات بينما نتحرك بتواضع حول الأوكرانيين ونسمح لهم بإملاء الغايات التي تستخدم من أجلها أسلحتنا ومعداتنا. في الواقع، الولايات المتحدة هي عالمية مهيمنة تواجه تهديدات أكثر أهمية من روسيا. كما أننا دولة منقسمة داخلياً يقودها رئيس لا يحظى بشعبية وقد تكون أغلبيته على وشك الانهيار السياسي. لذا، إذا كانت كييف وموسكو تتجهان نحو صراع مجمّد يمتد لعدة سنوات أو حتى عقود متعددة، فسنحتاج إلى دفع أوكرانيا نحو استراتيجية عسكرية أكثر واقعية بدلاً عن الاستراتيجية العسكرية الأكثر طموحاً. وبالقدر نفسه من الإلحاحية، سنحتاج إلى تحويل بعض عبء دعم كييف من ميزانيتنا الخاصة إلى حلفائنا الأوروبيين.
وتبدو هذه الأهداف متفقة مع ما فعلناه حتى الآن. ومن الواضح أنه يمكن تعديلها إذا ظهرت فرص أفضل فجأة، لكن النظرية الاستراتيجية الجيدة تحتاج إلى تحمل الصعوبات والتحدي. ويكمن الخطر الآن في أن الإنجازات العملية لسياستنا المتشددة تشجع النوع المعاكس من التنظير - الغطرسة التي تبدد نجاحنا المؤقت.
* خدمة «نيويورك تايمز»