مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

سيناريوهات محتملة لإنهاء الحرب في أوكرانيا

من الطبيعي في أيامنا هذه أن يبحث العالم عن طريقة ما لتخفيف حدة الحرب الروسية الأوكرانية بكل الوسائل، حتى تلك التي تستخدم الأهداف والغايات لصالحها، بعد حرب استمرت مائة يوم بين شد وجذب وتجييش غربي ضخم لمساندة أوكرانيا ضد روسيا، يقابلها تهديد من بوتين، إذا استمر الغرب بتزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى فسيتعين على روسيا ضرب منشآت لم تستهدفها من قبل، وهناك موقف ثالث يرى في الحيلة عنصراً قادراً على وضع نهاية للعنف بفضل الدبلوماسية والمفاوضات والاتفاقيات، ولكن السلطة الغربية تجد نفسها مضطرة للتخلي عن بعض أدوارها، بعدما نجحت القدرة الروسية العسكرية في سيطرتها، فإلى أين وصلت هذه الضرورة في تحقيق الأهداف؟ وما الحقيقة السياسية التي تقف خلف الواجب القسري؟
بنفس السياق لا يمكن أن نتفاءل كثيراً، حيث لا توجد هناك علامات تدل على نهاية وشيكة لهذه الحرب تبعاً للظروف المتوقعة أو الأحداث الطارئة، ولكن وضعوا العديد من السيناريوهات، ومنها ما قد يكون حرب استنزاف تستمر لشهور إن لم تكن سنوات، ويقول ميك رايان، الجنرال الأسترالي المتقاعد والعالم العسكري: «هناك احتمال ضئيل لتحقيق نصر عملي أو استراتيجي ساحق من قبل أي من الطرفين على المدى القصير. لم يُظهر أي من الطرفين المتحاربين القدرة على توجيه ضربة استراتيجية حاسمة»، فالمسألة إذن ليست بتفضيل قوة على الأخرى، ولكن بتحديد الوسيلة الخاصة بالسياسة عند كل منهما.
يبدو بوضوح من هذا التحليل أن الرأي قاعدة للسياسة، بمعنى قبول الحقيقة والخضوع لها، أما السيناريو الثاني فيحرف المنطق عن مساره بلا شك، فقالوا: «ماذا لو فاجأ الرئيس بوتين العالم بوقف لإطلاق النار من طرف واحد؟ يمكنه أن يكتفي بما حققه من مكاسب على الأرض ويعلن «النصر»، علماً بأن الانفجارات المتفرقة التي هزت العاصمة كييف مستمرة، ومعركة أخرى مستعرة في سيفيرودونيتسك، وفي بعض المراحل يكون من المستحيل تجريد السلطة السياسية التي بدأت الحرب من وسائلها العملية وتحويلها لإرادة مبعثرة، فأوروبا تستتر وتتخفى وراء غايتها الاقتصادية، وترى أنه لا حاجة لإطالة أمد الحرب، مهما تكن درجة قوة هذا الصراع فالأزمة الاقتصادية العالمية كبيرة، وخصوصاً بعد مشكلة تصدير الحبوب لم تعد أزمة أوكرانية وحسب، بل أزمة غذاء عالمية، لذلك تعمل من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار بعد سيطرة روسيا وإغلاقها لجميع الموانئ على البحر الأسود.
إن التصويت أو الرأي قد يتطابق مع الاستفتاء الشعبي بوجود تعددية في الاقتراحات، لذلك تفتح مجالاً لطرح السيناريو الثالث حول جمود خطوط القتال بين البلدين الذي قيل عنه إنه استنفد كل منهما قدراته، ويبحث عن تسوية سياسية، حفاظاً على الأرواح والممتلكات، حتى إن كان السبب الرئيسي هو الاقتصاد الذي كثيراً ما يفرض على الوعي البشري المبادرة السياسية في مجاله البالغ الأهمية، ولكن الفروقات السياسية هي من تحدد التباين في جميع الحالات، وكييف غير واثقة باستمرار الدعم الغربي، وأن الحوار مع الروس أنفع لها وأجدى، فأميركا وأوروبا تشحذان وتشدان من أزرها لتبقى قوية على طاولة المحادثات، حتى إن استمر القتال طويلاً ما أفقدها الثقة بحكومة جو بايدن.
هي حقيقة لا تقبل الشك، فالعالم يهمه بالدرجة الأولى منطقية الحفاظ على اقتصاديات الدول، ومعالم الطريق التي تسلكها للوصول لما تريد، مهما كانت سيناريوهات هذه الحرب، حتى إن حدث انتصار لأوكرانيا يخالف كل التوقعات، وإجبار القوات الروسية على الانسحاب إلى المواقع التي كانت تنتشر فيها قبل الحرب؟ وهذا بالتأكيد تصنيف غير ملائم للواقع، حتى إن قال الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي للتلفزيون الهولندي: «إن أوكرانيا ستنتصر بالتأكيد في هذه الحرب».
على كل حال يحاول أولئك المحللون ربط السياسة بقانون بوتين، بينما الصحيح هو العكس، فمهما تكبد الروس من خسائر فلن تفشل روسيا، وحتى إن بلغت العقوبات الغربية أوجها لضرب الاقتصاد الروسي. لن تنجح أوكرانيا في تحويل جيشها من قوة دفاعية إلى قوة هجومية، وهزيمة الروس العسكرية ستكون كارثية على العالم لوجود خيار نووي على الطاولة.
في هذا المعنى تكون السياسة التي تنتهجها روسيا خططاً مرسومة وربما حتى الاستيلاء على العاصمة كييف، وفرض سطوتها على الكثير من أراضي أوكرانيا، فمن المرجح أن تكون هذه الأهداف القصوى لها، بعد ما تحقق لها النصر في دونباس، وبسط روسيا نفوذها عليها في ساحة القتال.
الشعب الأوكراني ينقسم إلى معسكرين، أحدهما يود استمرار القتال حتى خروج روسيا، والآخر يبحث عن مخرج للتوصل إلى السلام، ومن الصعوبة بمكان تقييم الحالة التي تعجز فيها السلطة عن القيام بمهمة حماية مواطنيها، وبهذه الفرضية تقودنا قوة الأحداث أحياناً إلى نتائج لم نكن نفكر فيها، وتكون تلك السيناريوهات بين القوة والحيلة وعلاقة كل منها بالذكاء السياسي، لا سيما في الحالات الطارئة كالحرب التي تتطلب جهوداً دولية مكثفة لدرء الأخطار المحدقة بالبشرية.