مورين دوود
TT

ضحايا السلاح المجنون في أميركا

ذات مرة، أخذني التفكير في فكرة التضحية بالأطفال والشعارات القديمة التي صاحبتها.
عند شكسبير، قتل تيتوس أندرونيكوس ابنته لافينيا على مائدة العشاء بعد أن اغتصبها المهاجمون وشوهوها. وظل يردد وهو يقتلها: «موتي، موتي لافينيا! وليمت عارك معك!»، مجرد تضحيات صغيرة لإنقاذ الشرف.
أما اليوم، فيخالجني اعتقاد بأن التضحية بالأطفال تحوّلت إلى ظاهرة حديثة وحشية مميزة لهذا البلد. إننا نضحي بالأطفال، ليس فقط أولئك الذين يموتون، وإنما كذلك الذين يتابعون ما يجري وبداخلهم خوف من المستقبل.
كان مطلق النار في أوفالدي قد تسلل إلى فصل دراسي للصف الرابع في مدرسة روب الابتدائية، وصاح: «انظروا إلى ما لدينا هنا» قبل أن يطلق أكثر من 100 طلقة.
أما الشرطة المحلية، فلم تحرك ساكناً لوقف تساقط الأضاحي البشرية. ظل تسعة عشر ضابطاً مرابطين داخل ردهة لمدة 78 دقيقة في الوقت الذي كان يسقط الأطفال قتلى. والآن، كيف يمكنك تبرير الاحتفاظ بالأسلحة الهجومية في السوق المفتوحة عندما لا يتعامل معها ضباط الشرطة، حتى في اللحظات التي تكون حياة الأطفال فيها على المحك؟
وبينما كان الضباط ينتظرون، من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تحطيم أحد الأبواب المحصنة، سيق الحملان التسعة عشر للذبح، محاصرين في فصل دراسي مليء بالدماء مع رجل مجنون يبلغ من العمر 18 عاماً. وفي لوحة مؤرقة، لطخت فتاة صغيرة نفسها بدماء صديقها المتوفى لتبدو ميتة. في غضون ذلك، حاول الآباء اليائسون تسلق سياج من سلسلة لإنقاذ أطفالهم. ولم تجد الشرطة أمامها شيئاً مفيداً لتفعله، وانهمكت في تقييد أيدي أحد الآباء على الأقل أثناء محاولته الدخول إلى المدرسة.
يذكر أن زوج مدرسة توفي لإصابته بنوبة قلبية بعد أن أخذ الزهور إلى نصب تذكاري لها في المدرسة. وكان لديهما أربعة أطفال ـ مَن سيعتني بهم؟
من ناحيته، قال حاكم ولاية تكساس، جريج أبوت، ببرود عن المذبحة، التي تعد سادس إطلاق نار جماعي خلال سبع سنوات قضاها في منصبه: «كان من الممكن أن يكون الوضع أسوأ». دونالد ترمب، الذي أخبرني ذات مرة أنه إذا تم انتخابه رئيساً، فسوف يركب سيارته الليموزين ويذهب إلى الاتحاد الوطني الأميركي للسلاح ويفاوضه حتى يتمكن من التوصل إلى اتفاق حول بعض الحلول المنطقية.
جدير بالذكر أنه في عام 1996 عندما أردى مسلح 35 شخصاً قتيلاً في تسمانيا، أقرت الحكومة الأسترالية مثل هذه القوانين المنطقية المتعلقة بالأسلحة النارية في غضون ستة أشهر، لدرجة أنه لم يكن هناك سوى إطلاق نار جماعي واحد منذ ذلك الحين. وجرى تدمير أكثر من مليون سلاح ناري.
وعندما قتل متطرف مناهض للإسلام في كرايستشيرش 51 شخصاً في مسجدين عام 2019، حظرت حكومة نيوزيلندا معظم الأسلحة شبه الآلية بعد 26 يوماً فقط. ولم تقع حوادث إطلاق نار جماعي منذ ذلك الحين.
كما صرحت رئيسة الوزراء النيوزيلندية الملهمة، جاسيندا أرديرن، في ذلك الوقت، بأنه لم يكن بإمكانها مواجهة الضحايا الناجين.
أما هنا، فالمناقشات السياسية فارغة وعديمة الروح، مع تفادي الديمقراطيين للقضية واتخاذ الجمهوريين مواقف متشددة حتى تجاه مقترحات معتدلة مثل عمليات التحقق من الخلفية العامة، وهو مقترح يحظى بموافقة عامة ساحقة.
الملاحظ أن معظم الجمهوريين في مجلس الشيوخ يمثلون ولايات محافظة بشدة، حيث «يجري التعامل مع مسألة امتلاك السلاح باعتبارها امتيازاً مقدساً منصوصاً عليه في الدستور، و«امتياز لا يمكن التعدي عليه بغض النظر عن كمية الدماء التي تُراق في الفصول الدراسية وممرات المدارس في جميع أنحاء البلاد»، حسبما كتب كارل هولس في «نيويورك تايمز».
من ناحيتهم، اقترح الجمهوريون مجموعة من المقترحات. على سبيل المثال، اقترح تيد كروز أن يكون للمدارس نقطة دخول واحدة فقط يتمركز عندها حارس مسلح، ما يجعل الأمر يبدو وكأن البنادق لا تقتل، وإنما الأبواب هي التي تقتل. أما دونالد ترمب، فقد اقترح خلال كلمة ألقاها أمام الاتحاد الوطني الأميركي للسلاح بتسليح المعلمين داخل الفصول المدرسية.
الواضح أن الولايات المتحدة عالقة في حلقة من البنادق والأسلحة ـ وهي حلقة قاتلة. لطالما اعتز هذا البلد بصورته التي يظهر فيها الأميركي وهو يطلق النار على الأشرار، لكن الآن عندما يبدأ الأشرار بإطلاق النار، يحيل المشرعون أنظارهم نحو الجهة الأخرى.
لقد أصبحنا دولة جبناء، نرتعد ذعراً من القوة غير المقدسة لعبادة السلاح، لدرجة أننا نرى أنها جديرة بإراقة دماء الشباب لإرضائها.
* خدمة «نيويورك تايمز»