حمل الأسبوع الماضي معه القليل من الوضوح إلى الحالة الضبابية التي تكتنف حرب أوكرانيا. كان التاريخ المهم هنا 9 مايو (أيار)، الذي تزامن مع الاحتفال بذكرى انتصار الاتحاد السوفياتي في مواجهة ألمانيا بقيادة هتلر. وجاء اليوم ومر دونما تغيير في الاستراتيجية الروسية.
وعندما خرج فلاديمير بوتين لتفقد العروض العسكرية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، لم يَصدر إعلان كاذب بالنصر، ولا حتى إعلان عن تصعيد من شأنه أن يضع روسيا كلها في حالة حرب لتنطلق حملة تجنيد جماعي. ويبدو أن الخطة الروسية القائمة على فكرة استمرار الحرب الطاحنة في جنوب وشرق أوكرانيا، بهدف تغيير النظام، جرى التخلي عنها بشكل أساسي لصالح السيطرة على الأراضي التي قد يجري دمجها في النهاية داخل الاتحاد الروسي.
من وجهة النظر الأميركية، يبدو هذا كأنه انتقام استراتيجي. ورغم بعض التباهي المتهور بشأن دورنا في القضاء على الأهداف الروسية، تبقى الحقيقة أننا صعدنا بشكل مطرد دعمنا لأوكرانيا ـ بما في ذلك حزمة 40 مليار دولار التي من المحتمل أن يقرها مجلس الشيوخ، دون إثارة تصعيد متهور من قبل روسيا رداً على ذلك. أما مخاطرة أن تشجع الحرب الدائرة بالوكالة موسكو على التصعيد نحو صراع أكبر لم يتحقق منها سوى قعقعة سيوف على شاشات التلفزيون الروسي الحكومي، إلا أنها حتى الآن لم تنعكس على الخيارات الفعلية للكرملين. من الواضح أن بوتين لا يحب تدفق الأسلحة الأميركية إلى أوكرانيا، لكنه يبدو على استعداد لخوض الحرب وفقاً لهذه الشروط، بدلاً من الرهان على مخاطر وجودية أكبر.
وبوجه عام، هناك سيناريوهان يلوحان في الأفق على امتداد الأشهر الستة المقبلة من الحرب. في إطار الأول، تتبادل روسيا وأوكرانيا الأراضي بمساحات صغيرة، وتتحول الحرب تدريجياً إلى «صراع مجمّد» على نحو ما هو مألوف في الحروب الأخرى بالجوار القريب لروسيا.
في ظل هذه الظروف، ربما يتطلب أي اتفاق سلام دائم الإقرار بالسيطرة الروسية على بعض الأراضي المحتلة، في شبه جزيرة القرم ودونباس، إن لم يكن الجسر البري الذي تسيطر عليه الآن القوات الروسية في الغالب. وهذا من شأنه أن يمنح موسكو مكافأة واضحة على عدوانها، على الرغم مما خسرته في سياق هذه الحرب. وحسب مساحة الأراضي التي جرى التنازل عنها، فإن ذلك سيترك أوكرانيا مشوهة وضعيفة، رغم نجاحها العسكري.
لذلك قد تبدو مثل هذه الصفقة غير مقبولة من جانب كييف أو واشنطن أو كليهما. ورغم هذا، فإن البديل المتمثل في ظهور حالة من الجمود الدائم للصراع من شأنه كذلك أن يترك أوكرانيا مشوهة وضعيفة، ومعتمدة على تدفقات الأموال والمعدات العسكرية الغربية، وأقل قدرة على إعادة بناء نفسها بثقة.
إلا أنه ثمة سيناريو آخر تتضاءل فيه هذه المعضلة، لأن الجمود ينهار لصالح أوكرانيا. ويعد هذا السيناريو المستقبل الذي يدعي الجيش الأوكراني أنه أصبح في متناول اليد - بمعنى أن تنجح أوكرانيا، بمساعدة عسكرية وتوافر عتاد كافٍ، في تحويل هجماتها المضادة المتواضعة إلى هجمات كبرى تدفع الروس إلى التراجع؛ ليس فقط إلى خطوط ما قبل الحرب، بل وربما ينسحبون من الأراضي الأوكرانية بأكملها.
من الواضح أن هذا هو المستقبل الذي ينبغي لواشنطن أن ترغب فيه ـ باستثناء التحذير بالغ الأهمية بأن هذا المستقبل يصبح كذلك فيه التصعيد النووي الروسي فجأة أكثر احتمالية مما هو عليه الآن.
إننا ندرك جيداً أن تصور العقيدة العسكرية الروسية لاستخدام الأسلحة النووية التكتيكية يقوم على منظور دفاعي، من أجل قلب اتجاه المد في حرب خاسرة. ويجب أن نفترض أن بوتين وحاشيته يعتبرون الهزيمة الكاملة في أوكرانيا سيناريو يهدد النظام. وعندما تجمع هذه الحقائق مع عالم يشهد هزيمة الروس فجأة، وتتبخر فيه مكاسبهم الإقليمية، ستجد نفسك في مواجهة أكثر وضع عسكري يخيم عليه شبح الأسلحة النووية منذ الحصار البحري لكوبا عام 1962.
في الواقع، أقلب هذه التساؤلات في رأسي منذ أن توليت إدارة مناقشة في الجامعة الكاثوليكية الأميركية مع ثلاثة مفكرين من يمين الوسط معنيين بمجال السياسة الخارجية - إلبريدج كولبي وريبيكا هاينريش وجاكوب جريجيل. فيما يتعلق بحكمة دعمنا لأوكرانيا حتى الآن، اتخذ الثلاثة موقفاً موحداً بشكل أساسي. إلا أنه فيما يتعلق بمسألة نهاية الحرب والخطر النووي، ظهرت بجلاء التحديات التي نواجهها. من ناحيته، أكد جريجيل أهمية استعادة أوكرانيا للأراضي في الشرق وعلى طول ساحل البحر الأسود، من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي بشكل معقول في المستقبل، في الوقت الذي اشتعل فيه خلاف بين هاينريش الأكثر تشدداً، وكولبي الأكثر حذراً حول الموقف الذي يجب على أميركا اتخاذه في حالة مواجهة التقدم الأوكراني السريع بضربة نووية تكتيكية روسية.
ورغم أن هذا التساؤل ليس مطروحاً أمامنا مباشرة في الوقت الراهن، فإنه لن يتحول إلى مشكلة، إلا إذا بدأت أوكرانيا في تحقيق مكاسب كبيرة. ونظراً لأننا نتولى تسليح الأوكرانيين على نطاق يبدو أنه يهدف إلى جعل مسألة شنهم هجوماً مضاداً أمراً ممكناً، فإنني آمل بصدق في أن تبدأ مناقشة هذا السيناريو داخل المستويات الأعلى من الحكومة - قبل أن يتحول تساؤل مهم في الدوائر الأكاديمية حالياً إلى التساؤل الأهم على مستوى العالم.
* خدمة «نيويورك تايمز»