مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

هل مستقبل الطائفة السنية السياسي مرهون بالحريري؟

بعد موقف الرئيس سعد الحريري بإعلان تعليق عمله السياسي وانسحابه من المشهد الانتخابي، وسط أجواء من الحزن والخيبة والصدمة والإحباط، سادت بين الشعب المؤمل خيرا به، لا يمكن أن يكون ثمة شك في أن القوة وفقا للقانون أقل ضرراً من القوة التي تصرفها الأهواء، فهناك عنصر جوهري لقوة الدولة وهو ما يسمو بالحياة ويجعل الناس يكرسونها لغاية أعظم من غايات تدفعهم نحو المنازعات بينهم، إضافة لما تضمره لهم أمم أخرى بأجندة تعزز انقسام الطوائف والأحزاب.
وانطلاقاً من ذلك، فإن الشخص الذي يقف بمنأى عن موقفه السياسي يثير كثيرا من التساؤلات ولا طائل من ورائه، ولا يطمح إلى إنقاذ شعبه من هذا الدمار الذي يتسارَع نحوه ليقضي عليه بالوقوف في وجه التيار، وفقدان القدرة على اكتساب ثقة الغير من جديد، فمحال أن نجد علاجاً للشرور التي يعانيها لبنان، ولسان حاله يقول: «لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان، في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة»، وتدرك الأغلبية السياسية اليوم في البلاد أن القوة الحقيقية ليست فقط في الدولة والقوانين الموضوعة بل أيضاً تتأثر بسلوكيات الأشخاص في المنظومة السياسية الذين يلعبون دوراً كبيراً في تحقيق أهدافهم على مستويات مختلفة ولا أهمية لديهم للتداعيات السلبية لهذا القرار على الساحتين السنية والوطنية.
فالمعنى يعتمد على تفكير الشخص وإحساسه بالمسؤولية ومدى إدراكه للخطر المحدق ببلاده وترك الساحة لـ«حزب الله» وضعف تأثير السنة بالحياة السياسية وتسليم لبنان رسمياً لـ«حزب الله»، وهناك عامل جديد يعمل على مواجهة الأحداث والبحث عن وسائل لتحقيق فاعلية ما يريده في المناخ السياسي ودرجة استقراره، فقد ظهر رجل الأعمال بهاء الحريري على الخط السياسي، وهو شخص يعمل على إقناع باقي الأطراف السياسية الموجودة على الساحة بأن يجمع أصوات المنتخبين السّنّة لكي تتم الانتخابات أو يتم تأجيلها إذا لم يحقق شيئاً تماشياً مع ميثاقية اتفاق الطائف، علما أن كل طائفة لها حزب سياسي وهو لا يمتلك شعبية كبيرة وهناك كثير من المبررات التي لا تؤيد ترشحه.
ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن أن هذا التراجع أو بالأصح التخلي عن كل شيء أمر نادر، فمعظم الناس عندما يشتد فيهم هذا الشعور يجعل له مبررا فتصير أشبه بالتصرفات المبنية على نزاعات لا تهدأ وسرعان ما يفقد اهتمامه بما أتم، والنظم السياسية تستطيع أن تساعد أو تعرقل الأسس التي تقوم عليها حياة الأوطان.
فالعالم العربي عموماً يعيش مرحلة غير مسبوقة من التحديات والتعقيدات السياسية، وكل من سيخرج من المشهد معتقداً أنه بذلك يعبر عن سوء المشهد ببلاده إنما يقدم خدمة للآخرين الذين ينافسونه على زعامة دولته ويهديهم انتصاراً وحصة مجانية بصياغة مستقبل النظام السياسي، وهذا هو حال الحريري مع خصومه في لبنان، ومن الضروري في كل محاولة جدية لإعادة بناء النظام السياسي، أن تؤخذ الاحتياجات الحيوية للشعوب على قدر كبير من المسؤولية، وقد جرى المشتغلون بالأمور السياسية بمتاعبها وويلاتها على جعل الناس يحتملون خسائر الحرب وتركوا الاحتياجات الاقتصادية جانباً، فهي الأكثر أهمية من سائر الاحتياجات في لبنان.
إن الناس ليسوا في حاجة فقط إلى عروض مادية أكثر مما لديهم، ولكنهم في حاجة إلى قدر أكبر من الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومن حق الفرد أن يحظى بهذا القدر من حاجته وإقامة حياة أفضل، ولكن هناك علامات استفهام حول توزيع التمثيل السياسي داخل الطائفة السنية بعد خروجها من المشهد، وأثر هذا الخروج على التركيبة الحاكمة في لبنان، وكيف يضع الحريري السُنة أمام واقع غير مسبوق وهو خوضهم الانتخابات من دون زعامة رئيسية أو تقليدية؟ فهل مستقبل السُّنة بعد رحيل رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عن المشاركة في العملية السياسية مصير غامض ومجهول؟ وما هي آثار انسحابه من المشهد السياسي على النخبة الحاكمة؟ تساؤلات تتكرر كل يوم تنتظر إجابات.