مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

التطرف يحفر في حقول ملغومة

عاد الجدل بشأن موقف اليمين الأوروبي المتطرف من الإسلام والمسلمين إلى الواجهة من جديد، بعدما نشر السياسي اليميني الهولندي المتطرف، خيرت فيلدرز، زعيم حزب الحريات اليميني، مقطع فيديو على حسابه على «تويتر» عنونه بعبارة «لا للإسلام لا لرمضان»، فهل ازدادت شعبية اليمين المتطرف في أوروبا مؤخراً بسبب تدفق آلاف اللاجئين؟ فالمتطرف اليميني يستخدم التمييز والأفكار العنصرية لحماية هويته، حسب زعمه، التي يزعم أنها مهددة من الأجانب واللاجئين، وفي هذا الإطار يتبنى أفكاراً عنصرية تحض على كراهية الأجانب.
والآن نستطيع أن نقول بسهولة إنه لا توجد حركة تلقائية تحيا من ذاتها، فقد شاركت عدة أطراف فيها ومكّنتها من الظهور، في حين تعمل المجتمعات على التغيير نحو التسامح والتعايش، ولكن في بيئة موبوءة بالتطرف، وقد دخلت الأفعال الثورية إلى لغة الدعاية لنظام ينذر بمشاعر الكراهية والتطرف، وذلك في أعقاب منع السياسي الدنماركي إسموس بالودان، زعيم حزب النهج المتشدد اليميني المتطرف من دخول السويد لحضور مظاهرة في مدينة مالمو، دعا قبلها إلى حرق نسخة من القرآن الكريم.
إنه التوقف عن التقدم، والتردد والانقطاع بين الخُطى، وترك المسائل الشائكة مفتوحة، وتتطور الانقسامات وتتحول الأحداث إلى صدامات عنيفة بين الجالية المسلمة وأنصار اليمين المتطرف بلغت حداً مؤسفاً من الاشتباكات والفوضى، فهل «انتهت صلاحية» خطط التعايش والتسامح وأصبحت العنصرية أكثر قبولاً في السويد تغذّيها وترعاها الأحزاب المتطرفة؟ في الغرب الديمقراطي يصدّر التطرف والعنصرية ويُدار هناك، فعلى هؤلاء الاستعداد ليحسموا التناقضات في ذواتهم والتناقضات بين كل المناصب بالتسامح وليس بالحصول على أغلبية الأصوات المطلقة.
بهذا أصبحت الكراهية متعددة الدلالات وأعطت الغرب فرصة لصياغة الأعذار المحافظة ليبقى التطرف إرثاً سوداوياً، والسوداوية هنا تعبّر عن امتياز لنخبة متغطرسة مستجيبة لفراغها الفكري، فقد زعم بالودان المحظور من دخول السويد لمدة عامين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إنه طلب من الشرطة الحصول على إذن لحرق نسخة من القرآن فيما مضى في استوكهولم عاصمة السويد، مضيفاً أنه في حال حصوله على الإذن فسوف يحرق نسخة من القرآن في منطقة رينكبي، حيث يتركز المهاجرون والمسلمون، وفي حال لم تتم الموافقة على منحه الجنسية السويدية خلال هذه الفترة فسيذهب أصدقاؤه إلى استوكهولم ويحرقون القرآن، ونفّذ الوعد والتهديد وأقدم ثلاثة ناشطين في حزب النهج المتشدد على إحراق نسخة من القرآن في مدينة مالمو.
يُستحسن، بل من المجدي قبل الحكم على الأحداث الأخيرة من المتطرف الذي قام بحرق نسخة من القرآن الكريم، تسمية الأشياء باسمها والإشارة إلى بعض الفصول فيما جرى في السويد حول تمزيق وحرق المصحف الشريف في هذا الشهر الفضيل من طرف جماعة من الناشطين اليمينيين المتطرفين بما شكّل استفزازاً صريحاً لجميع المسلمين في العالم. فالسجال هنا ليس مجاناً بل له ثمن عند المدعو راسموس بالودان، زعيم حزب «هارد لاين» اليميني المتطرف الدنماركي الذي نظّم المظاهرة.
في الواقع تتفق المجموعات والأحزاب فيما بينها وبعضها ضد بعض، وتظهر بعد ذلك الأسماء لتتصدر المشهد ويتزايد الصراع الداخلي، ومعها يتزايد التباين في المواقف السياسية، وقد أعرب عدد من الدول العربية والإسلامية عن استنكارها الشديد لما حدث بوصفه عملاً استفزازياً لمشاعر المسلمين وإساءة بالغة لمقدساتهم وتحريضاً على الكراهية والعنف، ونشرت وكالة الأنباء الرسمية السعودية (واس)، بياناً جاء فيه أن المملكة «تدين وتستنكر ما قام به بعض المتطرفين في السويد من الإساءة المتعمدة للقرآن الكريم والاستفزازات والتحريض ضد المسلمين». وقدمت أيضاً منظمة التعاون الإسلامي وعدد من الدول الإسلامية بيانات تنديد بما وقع في مدينة مالمو التي يبلغ عدد سكانها الأجانب 40%.
ويبقى الأمل في أن يضع الغرب حداً لهذه التجاوزات بزعم أنها جزء من حرية التعبير، إضافةً إلى نشر خطاب الكراهية بين الشعوب، علماً بأن السويد تبنّت عام 2017 استراتيجية محلية لمكافحة الراديكالية والتطرف تصدياً للحركات اليمينية المتطرفة، بناءً على افتراض أن التطرف يُسهّل ويؤدي في الكثير من الأحيان إلى أعمال عنف ذات دوافع سياسية بعد فوز حزب ديمقراطيي السويد بانتخابات، مما يعني أن العنصرية والممارسات التمييزية باتت أكثر قبولاً في المجتمع السويدي.
حينما يفشل التقدم يهرب من الواقع ومتطلباته وينحت على جدار المجتمعات التوتر والفوضى اللذين ينعكسان من ثم على عجلة الإنتاج، وأحد المساوئ الذي يُخشى منه أن تتحول السويد إلى العنصرية، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن من يدفع الأطراف المستفيدة من صعود هذا الحزب اليميني المتطرف وحصوله على 18% من الأصوات في انتخابات عام 2018، حتى عدّوه زلزالاً قوياً يُلحق السويد بقائمة طويلة من الدول الأوروبية، التي صعد فيها اليمين المتطرف، من المجر وبولندا وإيطاليا والتشيك، مروراً بالنمسا وألمانيا، وصولاً إلى الدنمارك وهولندا.
إن تناقضات المجتمعات الغربية وأنظمتها وتصفية كل الآيديولوجيا المتناقلة تتطلب مجالاً منفتحاً، وفضاءات واعية بالسياسة، لها القدرة على اجتذاب الارتباط السياسي الفاضح بالتطرف على كل الصعد في هذه الحقبة الزمنية، وعلاجاً شاملاً لهذه الأزمة والتفكير فيما يجب للتغلب على تداعياتها وآثارها.