مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

ازدواجية المعايير والاستثناءات والانتقائية

يبدو أن العالم في حاجة ملحة أكثر من أي حقبة تاريخية مضت إلى تفسيرات تتجاوز التأويل والتضخيم في عالم أضحى أكثر تغيراً وتعقيداً يصعب اختزاله في متغيرات بسيطة، أو في ظل محاور محدودة لها تأثير ونتائج على المدى البعيد، حيث تتجلى عواقب هذه السياسة بعرقلة مسيرة الاقتصاد وضوابطه مما يسرّع من وتيرة تفكك وتآكل الأنظمة السياسية، فالأزمة الأوكرانية تثير المخاوف في أوروبا والعالم بأسره، من نشوب حرب مدمرة، لا سيما أن تطورات الصراع تزيد وتتضخم بين الغرب وروسيا؟
بعدما بات من الصعب التراجع عن الحرب وغادرت الحلول الدبلوماسية حقائب الساسة، وأصبح العالم مضطرباً ومندهشاً، لسنا إذن إزاء اكتمال الوضع الدولي بثوابته ومتغيراته، فالمرحلة التي يتجه لها العالم الآن تدرك حق الإدراك أن بؤرة الكوارث لتي تقود إليها فترات احتدام التناقضات الكبرى مرتبطة مباشرة باستغلال الثغرات.
رغم أن العلاقات الاقتصادية الأوروبية الروسية تقول بأن معظم نفط أوروبا من روسيا، وكثير من القمح والزيت النباتي من روسيا وأوكرانيا، واعتماد التصنيع الكلي على الواردات الروسية من نفط وغاز ومعادن، لكن الحرب حسمت المصالح التي تقتضي قطع هذه العلاقات وعلى هذا النحو المدمر في التاريخ المعاصر، وتتابعت الجهود للحيلولة دون هذه الحرب ولكن فشلت، ولم يتوقف الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني عن الاتصال بالرئيس الروسي للحض على وقف النار وسط أجواء قاتمة، فهل فقد العالم كل التوازنات نتيجة لهذه الحرب؟ بعدما انضمت أوروبا كلها إلى العقوبات القاسية المفروضة على روسيا، وأعادت ترتيب أوضاع التحالفات وسياساتها فبدأت ترسل الأسلحة إلى الجيش الأوكراني الذي يواجه الهجوم الروسي.
ومع انقسام العالم بصورة واضحة، يبدو أن أي تفكير في مخرج لا بد أن يتجه إلى كل أساس اقتصادي لتبادله التجاري كما كان، ويتدخل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة بغطاء من الأمم المتحدة، لإيجاد تسوية أو حل للطرفين المتنازعين بعيداً عن غموض الأهداف الاستراتيجية الأميركية، ومنع أن يتخذ هذا التدهور تلك الأبعاد الكارثية المتوقعة، فهناك زعم مفاده أن الزلزال الغربي سيوقف روسيا رغم أزماته الاقتصادية الطاحنة.
كل هذه الأفعال تفسر صراعاً تاريخياً يتمثل في هذه الحرب، ويتناقض مع اقتصادات أكثر تطوراً رفعت مستوى الإنتاجية إلى المستويات السائدة في البلدان الغربية المتقدمة، ولا يتسع المجال هنا بطبيعة الحال لأي مناقشة مستفيضة لما يحدث، وإنما يهمنا في سياق هذه الإشارات إلى الإطار التاريخي الذي أعاد صورته التطورات الراهنة يخبر بأن النزاع الأوكراني - الروسي، أكبر من مشكلة الحرب بين البلدين، ولم تعد الأسباب تتخفى وراء أقنعة بفيض من المصطلحات والعبارات.
لذلك؛ لا يخلو التاريخ من حقائق أساسية تكون استنتاجاً واضحاً وجلياً، عطفاً على الأحداث والأسباب، وانفلاتها إلى ثورة سياسية على المدى الطويل، تفرض تعبئة جماهيرية معادية هو ذلك التاريخ القديم بين الغرب والاتحاد السوفياتي والحرب الباردة ودور أميركا في انهيار الاتحاد السوفياتي، فهل أميركا لا تريد أن تتعلم من أخطاء الآخرين؟ فمهما كانت المواقف السياسة الغربية اليوم لا تعدو كونها إبداء الامتعاض والغضب والاستهجان وفرض العقوبات على روسيا بسبب أزمة أوكرانيا، كردود فعل متجددة، فالأمر الآخر الأكثر أهمية هو انقسام العالم، وتبادل الاتهامات - اتهمت الصين الغرب بتطبيق «ازدواجية المعايير» من خلال تلبية حقوق الإنسان للأشخاص الفارين من الحرب الروسية - الأوكرانية، وتجاهل حقوق اللاجئين من دول في الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية في آن واحد.
علاوة على ذلك، فقد تم رفع ملف أوكرانيا بعد المطالبات بتحويل ما يحدث ببعض مدنها لمحكمة الجنايات الدولية وما يحدث من انتفاضة لمجلس حقوق الإنسان ضد الروس، فكل ما هنالك من أحداث يستنطق بعضها بعضاً، والكثير مما يتوجب قوله، والسجل التاريخي حافل بأحداث مأساوية لا تقل مأساوية عن أزمة أوكرانيا في العالم، هناك العديد من المجازر والقتل في العالم ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي يتألف من 47 دولة مسؤولة عن تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها في أنحاء العالم كافة من دون تمييز.
فماهية الحقائق التي نبحث عنها هي إحدى نقاط التحول الكبير في التاريخ، وأوروبا أخذت موقعها في الصراع الدولي على قمة العالم، وخاصة في الأزمة الأوكرانية، وفي أعقاب تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بتعليق عضوية روسيا في المجلس. بينما اتخذت روسيا الاتحادية قراراً استباقياً بوقف عضويتها في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان اعتباراً من 7 أبريل (نيسان) 2022، فالتعاطي الغربي مع الأزمة يثير ضجة إعلامية مزدوجة المعايير يجري التحصن خلفها لإخفاء زلات الحاضر وهفوات الماضي