ممدوح المهيني
إعلامي وكاتب سعودي. مدير قناتي «العربية» و«الحدث» كتب في العديد من الصحف السعودية المحلية منها جريدة الرياض، ومجلة «المجلة» الصادرة في لندن. كما عمل مراسلاً لـ«الشرق الأوسط» في واشنطن. وهو خريج جامعة جورج ميسون بالولايات المتحدة.
TT

نظرية لافروف لا تقنع بكين

ابتسامات تحت الكمامات وتحية بالأكواع بين وزيري الخارجية الصيني والروسي في بكين في اللقاء الذي جمعهما قبل أيام، ولكن رغم مظاهر التلاحم الظاهر بين البلدين، فإنهما يفكران بطرق متباعدة ويركّبان كلماتهما على ألحان مختلفة.
لافروف المتجول على دول عدة طلباً للدعم قال، إن هذا هو الوقت المناسب لتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب والخروج من النظام القديم.
لافروف يروّج لنظرية سياسية أكبر حول الحرب الروسية المتعثرة في أوكرانيا، ويصورها بأنها بداية تغيير موازين القوى العالمية، أما الصينيون فقد تخلوا عن النظريات السياسية الكبيرة وتحدثوا بلغة أكثر واقعية، وهي أن أولويتهم الآن إنهاء الحرب الدائرة. رغم الدعم الظاهر وكلمات التأييد، فإن الطرفين يتحركان في اتجاهين مختلفين.
هل تسعى الصين لتغيير النظام العالمي وتشكيل العالم على صورتها كما تفعل أي قوة عالمية صاعدة؟
هذا السر الذي يعرفه الجميع ولكن ليس الآن وليس على الطريقة الروسية. الواقع أن موسكو وليست واشنطن أو لندن، هي من أفشلت طموحات الصينيين بقيادة العالم. فالفكرة القائمة بالتحالف طويل المدى بين بكين وموسكو لخلق عالم متعدد الأقطاب ودفع أميركا لتكون قوة أطلسية نائية، انهارت بسبب هذه الحرب التي تعارضها الصين وتسعى لوقفها بسرعة.
لماذا؟ لأكثر من سبب؛ إن هدف الصين هو الدخول في النظام العالمي اقتصادياً وإعادة تشكيله من الداخل وليس تحطيمه، وهذا ما حدث خلال العقود الأخيرة، حيث نما الاقتصاد الصيني بمعدلات مرتفعة. في 2021 عانت الدولة من تأثيرات الوباء المدمرة، ولكن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ارتفع بنسبة 8.1 في المائة، أي بما يعادل 18 تريليون دولار. التحالف مع روسيا بزعم بناء نظام عالمي جديد مسألة ليست سهلة، وعلى بكين أن تتخلى عن كل مكاسبها وتشكيل نظام مالي وتجاري جديد.
من الصعب تخيل أن تضحي الصين بمصالحها التي بنتها خلال عقود طويلة منذ الخروج من العقيدة الشيوعية الماوية وتتحالف مع روسيا لتشكيل نظام عالمي سياسي واقتصادي جديد بحسب نظرية لافروف، والإضرار باقتصادها الصاعد بفضل هذا النظام الاقتصادي الذي اندمجت وازدهرت فيه.
من المستبعد أيضاً أن تتخلى الصين عن تجارتها مع الولايات المتحدة وأوروبا لتوقِع بنوكها وشركاتها تحت طائلة العقوبات القاسية وهذه التهديدات التي وجهت لها مراراً حتى لا تكسر عزلة روسيا. بكين فهمت الرسالة الأميركية في اجتماع مشحون استمر لمدة 7 ساعات هدد فيه مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بإيقاع عقوبات على المؤسسات المالية الصينية الداعمة للحرب الروسية.
من الواضح بعد أكثر من شهر من الآن أن روسيا لن تخرج منتصرة من الحرب بالطريقة التي توقعتها، وهذا سبب آخر محرج للمسؤولين الصينيين المطالبين بوقف الحرب سريعاً للحفاظ على صورة الحليف المهم؛ فموقفهم العالمي أقوى مع روسيا قوية وليست مهزومة.
ضعف الروس ليس من مصلحة الصينيين بالتأكيد وسيقوي الجانب الغربي المتماسك أكثر من أي وقت آخر. فمن غير المنطقي أن تقوم بكين بالتحالف مع قوة غير منتصرة وتخوض حرباً متعثرة بهدف تشكيل نظام دولي لتستعدي الدول الأوروبية للاصطفاف ضدها وهي التي ترتبط معها بتجارة واسعة ودخلت بصعوبة للسوق الأوروبية.
السبب الآخر المهم، هو أن روسيا تخطط لتتحول لدولة تعمل من خلف ستار سياسي واقتصادي وتقسيم العالم على طريقة الحرب الباردة وتستخدم القوة العسكرية إذا اقتضى الأمر، وهذا يختلف مع التوجهات الصينية التي تسعى لفرض هيمنتها عبر التوسع الاقتصادي طويل الأمد وليس الحروب المباغتة.
لكل هذه الأسباب من غير المتوقع أن تنضم الصين للمطالبات الروسية بتغيير وجه العالم كما يدعو لافروف حتى لو تخللت اللقاءات بين المسؤولين مظاهر التأييد ومشاهد الابتسامات والأذرع المفتوحة.