رمزي عز الدين رمزي
سفير مصري ومسؤول أممي سابق
TT

سوريا... «الصراع المجمّد» والمؤثرات الأوكرانية

تصادف هذه الأيام، الذكرى السنوية الحادية عشرة للصراع السوري. وبغض النظر عن المعاناة الهائلة التي يكابدها الشعب السوري، فإن الصادم كذلك أن الجهود الدولية لتحقيق تسوية داخل سوريا فقدت زخمها خلال السنوات القليلة الماضية.
قبل أسابيع قليلة، كنت قد عقدت العزم على موضوع هذا المقال بمناسبة الذكرى الحادية عشرة للأزمة السورية. ودارت فكرتي حول: هل مصير سوريا أن تكون «نزاعاً مجمّداً»؟ وفي ظل الأزمة الراهنة في أوكرانيا، اكتسب هذا التساؤل أهمية كبرى.
الملاحظ أن «الصراعات المجمدة» ارتبطت بالمساحة التي شغلها الاتحاد السوفياتي السابق: ترانسنيستريا في مولدوفا، وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا في جورجيا، وناغورنو كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان، ودونباس في أوكرانيا. وينطبق هذا الآن كذلك على النزاعات الأخرى التي كانت معنا لبعض الوقت: النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وكشمير، وكوريا، وقبرص، والصحراء الغربية.
القانون الدولي لم يتفق بعد على تعريف لمصطلح «النزاعات المجمّدة». ولتبسيط الأمور في هذا المقال يمكن وصف «النزاعات المجمّدة» بأنها الأماكن التي وقع فيها القتال وانتهى ومع ذلك لم يتم التوصل إلى حل سياسي شامل.
بينما الوضع في سوريا لم يوصف بعد بأنه «نزاع مجمّد» على نحو كامل، إلا أنه يشترك في خاصيتين مهمتين تتسم بهما هذه النزاعات: حدوثها في مناطق البلدان التي لم تعد تخضع لسيطرة سلطات مركزية؛ وتؤججها التدخلات الأجنبية، سواء بشكل مباشر من قبل الدول أو بشكل غير مباشر من خلال وكلاء لدعم الانفصاليين.
وينطبق هذا على أكثر من 30 في المائة من الأراضي السورية: إدلب وشرق الفرات والمناطق الخاضعة لسيطرة تركيا في شمال سوريا وتنف.
تعاني سوريا نزاعاً متعدد الطبقات: المحلية والإقليمية والدولية. وفي الوقت الذي سيقرر فيه السوريون مستقبلهم في نهاية المطاف، فإنهم يحتاجون إلى بيئة إقليمية ودولية مواتية. وأثبت الوقت أن الأطراف السورية غير قادرة على الوصول إلى تسوية. أما البيئة الإقليمية فقد تسببت للأسف في تأجيج الصراع. فقط عندما تحقق التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا، أصبحت الاختراقات في العملية السياسية، مثلما تجلى في بيان جنيف عام 2014 (رغم التفسيرات المختلفة) وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2118 (2013) بشأن التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية والقرار رقم 2254 (2016)، التي رسمت خريطة طريق للتسوية السياسية.
لا توجد أرضية مشتركة بين الأطراف السورية تسمح بإحراز تقدم نحو تسوية، مثلما هو واضح في العملية السياسية القائمة تحت مظلة الأمم المتحدة، في الوقت الذي لا تبدو فيه الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية مستعدة بما يكفي للتوصل إلى تسوية تسمح لهذه الأطراف بالاتفاق فيما بينها. بجانب ذلك، يبدو أن الوضع العسكري وصل إلى حالة من التوازن تستعد جميع الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية تقريباً للتعايش معها. ويكمن الاستثناء الوحيد هنا في الحكومة السورية، التي تمتلك، بمفردها، الوسائل لاستعادة ما تبقى من الأراضي التي لا تسيطر عليها. وبإمكان دمشق تصعيد أعمالها العسكرية ودعم المقاومة المحلية في المناطق التي لا تسيطر عليها.
من جهتها، يبدو أن روسيا راضية عن الوضع الحالي، خاصة أنها تضمن وجودها العسكري من خلال القواعد البحرية والجوية التي ثبت أنها ضرورية لدعم تدخلها في أوكرانيا. ويبدو أن التركيز على مكافحة الإرهاب تراجع على سلم الأولويات، رغم الوجود المكثف للجماعات الإرهابية في إدلب.
فيما يخص تركيا، فإنها على ما يبدو غير قادرة أو غير راغبة في القضاء على الجماعات الإرهابية في إدلب، وتواصل دعمها النشط للمعارضة في أجزاء من شمال سوريا، كوسيلة ضغط في أي تسوية مستقبلية.
أثبتت إسرائيل أنها تستطيع التعايش مع الوضع الراهن ما دام سمح لها بمهاجمة الأراضي السورية من دون عقاب.
إلى أن تتمكن إيران من التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة يحمي مصالحها، لن يكون ممكناً إلا من خلال إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، ورغم حقيقة أن استمرار الوضع الحالي يمثل استنزافاً للموارد الإيرانية المحدودة، يبدو أن المزايا التي اكتسبتها داخل سوريا، على رأسها ظهور «حزب الله» كرادع أمام إسرائيل، تفوق التكلفة على ما يبدو.
بينما تتطلع الولايات المتحدة إلى إنهاء وجودها العسكري المحدود، الموجه لمحاربة «داعش» ودعم الأكراد وردع كل من إيران وتركيا، فإن بإمكانها الإبقاء على هذا الوجود في المستقبل المنظور، حتى تصبح على قناعة بأن النفوذ الإيراني جرى تقليصه إلى حد كبير على نحو لم يعد يشكل تهديداً لإسرائيل.
في ظل هذه الظروف، من الواضح أنه ليس باستطاعة الأكراد، ولا الجماعات الإرهابية، ولا الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا ولا حتى الحكومة، بمفردها، حسم النزاع لصالحها.
بذلك نجد أنه حتى قبل اشتعال الأزمة في أوكرانيا، كانت احتمالات تحول الأزمة في سوريا إلى «نزاع مجمّد» قائمة. وكان الاختراق ممكناً فقط إذا جرى التوصل إلى تفاهم أميركي - روسي، أو اتخذت الدول العربية مبادرة كبرى تجاه سوريا.
في ظل الأزمة المشتعلة اليوم في أوكرانيا، أصبحت مسألة التوصل لتفاهم بين موسكو وواشنطن أمراً بعيد المنال.
بخلاف جهود كبرى تقودها الدول العربية، وليس ثمة ما يدل على ذلك، لإعطاء دفعة لجهود التوصل لتسوية سياسية، يبدو أن مصير سوريا قد ينتهي إلى تحولها لصراع مجمّد.
بيد أنه مثلما عاينا في «الصراع المجمد» في منطقة دونباس، فإنه أدى إلى نشوب صراع كبير في أوكرانيا. ومثلما كانت روسيا غير قادرة على قبول الوضع الراهن في أوكرانيا، ستعمل دمشق على ضمان عدم تحول الوضع في سوريا إلى صراع مجمّد.

- خاص بـ«الشرق الأوسط»