مارك شامبيون
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

خطأ كاميرون الكبير

لا يفصلنا عن الانتخابات البريطانية سوى أيام، ويرى كل من خبراء فرع علم السياسة المنوط بدراسة الانتخابات، وخبراء الاقتصاد، أنها فوضى عصية على التوقع، فالنتيجة المرجحة هي حكومة أقلية يشكلها حزب العمال مدعومة من القوميين الاسكوتلنديين. وفي هذه الحالة ينبغي على حزب المحافظين لوم نفسه. بكل المقاييس ينبغي أن يشغل رئيس الوزراء ديفيد كاميرون مركزًا متقدمًا كبيرًا، لما لديه من سجل اقتصادي مشرف؛ ولأن أكثر البريطانيين لا يتصورون أن يكون خصمه إد ميليباند، مرشح حزب العمال، هو القائد، حيث تعرض لهجوم وانتقادات الجمهور في الاستوديو الذي تم فيه تسجيل إحدى حلقات برنامج تلفزيوني مساء الخميس، فقد أكدوا عدم ثقتهم في إدارته لملف الاقتصاد. ويتهم المتبرعون لحزب المحافظين كاميرون بأنه يدير حملة ضعيفة وغير مقنعة، وجاء رده بأنه «مفعم بالحيوية والنشاط». مع ذلك جذور المشكلة مختلفة.
إذا غادر كاميرون المنصب في 7 مايو (أيار)، سيكون ذلك بسبب اهتمامه الزائد على الحد على مدى العامين الماضيين بالمشرعين المنتمين إلى الحزب ولا يشغلون منصبا في الحكومة والمهووسين بأوروبا، بدلا من محاولة تغيير صورة الحزب كحزب تحكمه النخبة الثرية ويعمل من أجل تلك النخبة. وعادة ما يكون للسياسيين قضية مميزة تحدد هويتهم؛ ويمكنهم بطبيعة الحال الانشغال ببعض الأمور الصغيرة الأخرى وتحقيق مكاسب، لكن الموقف الرئيسي هو الذي يحدد مصيرهم بين الحياة والموت. وبدأ كاميرون عام 2010 يستهدف قيادة حزب محافظ جديد أكثر عصرية، وانفتاحا ينقذ اقتصاد المملكة المتحدة من الأزمة المالية. وإليكم ما قاله كاميرون في خطاب له عام 2009: «الفعل التقدمي المسؤول الذي ينبغي القيام به هو السيطرة على الديون ولكن بطريقة تجمع شمل الدولة بدلا من تقسيمها. ويعني هذا تقديم مثال يحتذى في صفوف القيادة العليا؛ لذا سوف نخفض أجور الوزراء، ونجمدها. كماسنجمد أجور القطاع العام لمدة عام باستثناء أجور مليون عامل يتقاضون أقل أجر. ويعني هذا أيضا أن الأثرياء سوف يدفعون حصتهم، لهذا سيظل معدل الضرائب كما هو، وسيتم إلغاء تمويل صندوق الأطفال لأصحاب الدخل المتوسط والمرتفع».
مع ذلك وبعد مرور عامين، تغيرت القضية الرئيسية التي تبناها كاميرون، وتحول اهتمامه نحو الشبحين التوأم وهما أوروبا والهجرة. لم يكن هذا هو المسار الذي أراده، لكن بسبب تنامي شعبية حزب الاستقلال البريطاني، سمح للمشرعين المنتمين للحزب بدفعه باتجاه خطاب لم يستطع السيطرة عليه. ووعد كاميرون بإجراء استفتاء على ابتعاد المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي، وأصبح عالقا في محاولات الوفاء بوعد لا يمكن الوفاء به؛ وهو الحد من معدل الهجرة.
وكان ينبغي على كاميرون الالتزام بفكرته الأساسية وهي أنه حين يتعلق الأمر بإصلاح الاقتصاد البريطاني، «فنحن جميعا في القارب نفسه». ولو كان قد أقنع البريطانيين بأنه اتخذ قرارات صعبة ضرورية من أجل وضع المملكة المتحدة على طريق مستدام نحو التعافي، وفعل ذلك بطريقة تضمن التوزيع العادل للمعاناة، لكان موقفه حاليا أفضل كثيرًا.
إضافة إلى ذلك، رغم تنامي معدل النمو إلى حد صحي على مدى العام الماضي، لا يزال متوسط الأجور الحقيقية في المملكة المتحدة أقل مما كان عليه قبل الأزمة المالية. ولا يشعر الناخبون بحدوث تحسن.
عوضا عن ذلك، هيمنت قضيتا أوروبا والهجرة على برنامج كاميرون على مدى العامين الماضيين السابقين للانتخابات، وتضمنت أفكارا غير موفقة مثل استخدام الإعلانات المتحركة في أنحاء لندن التي تحمل رسالة إلى المهاجرين غير الشرعيين.
وتمثل قضية الهجرة أولوية لكثيرين، لكن لا يمكن أن تساهم في الفوز بالانتخابات لعدم وجود استراتيجية حقيقية يقبلها أكثر البريطانيين للحد من عدد المهاجرين. ويتراجع دعم حزب الاستقلال مع اقتراب السابع من مايو، ويلجأ كاميرون حاليا إلى لفتات اللحظة الأخيرة المميزة من أجل توصيل رسالته الاقتصادية بطرق قد تقوض ما يعرف عنه من تأن وترو في الأمور المالية.
أولا وعد كاميرون بمنح 8 مليارات جنيه إسترليني إضافية لهيئة الصحة الوطنية، كذلك تعهد بتمرير قانون يمنع زيادة الضرائب على الدخل أو الضمان الاجتماعي أو ضريبة القيمة المضافة في البرلمان الذي يعمل لمدة خمس سنوات مقبلة. والهدف من تلك الأفكار هو أن يشعر الناخبون، الذين لم يحسموا أمرهم بعد، أن حزب المحافظين غير منفصل عنهم وعن مشكلاتهم.
مع ذلك مصدر الـ8 مليارات جنيه إسترليني غير واضح. وقد يؤدي تمديد صلاحية حق الشراء إلى تفاقم النقص في الوحدات السكنية في المملكة المتحدة.
ربما لا يزال كاميرون قادرًا على الفوز بالانتخابات من خلال إثارة مخاوف الناخبين من احتمال اعتماد حكومة حزب العمال على دعم الحزب القومي الاسكوتلندي، وهو أمر حاول ميليباند نفيه والنأي عنه بتعهده بعدم إبرام أي اتفاق معه. مع ذلك إذا كان خبراء الاقتصاد على حق، ولم يشكل حزب المحافظين الحكومة المقبلة، فالمشرعون المنتمون إلى حزب المحافظين، سوف يتسببون في خسارة كاميرون، وتحميله مسؤولية تلك الخسارة؛ وكل هذا لأنه أصغى إليهم في وقت لم يكن من المفترض أن يفعل فيه ذلك.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»