لحسن حداد
برلماني ووزير مغربي سابق
TT

التغيرات المناخية وتأثيرها على حاضر ومستقبل الأمم

لم تعد آثار التغيرات المناخية بُعْبُعاً مخيفاً سيزورنا من المستقبل ذات يوم أو ذات سنة. لقد استقر رأي العلماء على أن آثاره على دول الساحل والقرن الأفريقي ودول الشرق الأوسط والكاريبي وغيرها، هي أمرٌ جد حاضر، بادٍ للعيان في زمن الحاضر، وربما حتى الماضي القريب.
يُرجِع جاريد دايموند ظاهرة فشل دول مثل الصومال وهايتي إلى التغيرات المناخية وتأثيرها على المنظومة الإيكولوجية وفشل الحكومات والمجتمعات في أخذ الإجراءات اللازمة لمواجهتها بالصرامة المطلوبة (جاريد دايموند، «السقوط»). يمكن تعميم هذا النموذج التحليلي على سوريا، واليمن، وليبيريا، وسيراليون، وأفريقيا الوسطى، والنيجر، وغينيا بيساو، وفنزويلا، وجمهورية جنوب السودان، وغيرها.
ومن المحتمل أن ارتفاع منسوب مياه البحر نتيجة ذوبان الجليد القطبي (الذي يُحدِثُه الاحتباس الحراري وصعود درجة الحرارة في العقود الأخيرة) سيهدد وجود دول بعينها، مثل هولندا، وبنغلاديش، وفيتنام، وتايلند، وإندونيسيا، واليابان، وجزر المحيط الهادي. هذا علاوة على تدمير البنية الإيكولوجية للسواحل، وكذا الشُعاب المرجانية في الكاريبي، والصين، والولايات المتحدة، وأستراليا، ونيجيريا وميانمار، والفلبين، وغيرها.
التحولات المناخية، خصوصاً في حال عدم وجود سياسات ناجعة للرفع من القدرة على الصمود والتأقلم سيؤثر سلباً على نمو السكان ويدفع بالكثير إلى حافة الفقر (خصوصاً أولئك الذين سيجدون أنفسهم غير قادرين على مواجهة ارتفاع منسوب مياه البحر وحالات الطقس القاسية) وسيساهم في التطور العمراني العشوائي (إيبردرولا، «ما هي الدول التي ستتأثر أكثر بالتحولات المناخية» 2020).
وستؤدي موجات الجفاف والفيضانات والعواصف الهوجاء إلى تدمير السكن والموارد والقرى والمدن ومصادر عيش السكان في كل أنحاء المعمور. حسب المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن «أكبر أثرٍ للتحولات المناخية هو تدمير 18 في المائة من الناتج الداخلي العام للاقتصاد الدولي في أفق 2050 إذا ارتفعت الحرارة بـ3.2 في المائة» (المنتدى، «هكذا ستؤثر التحولات المناخية على الاقتصاد» يونيو (حزيران) 2021).
تقول المنظمة العالمية للصحة، إن عدد من يؤثر عليهم الجفاف سلبياً بلغ نحو خمسة وخمسين مليون شخص كل سنة، غير أن ظاهرة الجفاف تشكل «خطراً حقيقياً على الماشية والمحاصيل الزراعية في كل أنحاء العالم». ويؤدي الجفاف إلى «تهديد مصادر عيش السكان، ويرفع من مخاطر الأمراض»، وقد يؤدي إلى الهلاك وهجرة أعداد كبيرة إلى المدن أو إلى مناطق أخرى («الجفاف» موقع المنظمة الإلكتروني).
ويؤكد مؤشر «بالمر» للجفاف، أن غرب الولايات المتحدة تعرض في النصف الأول من سنة 2021 لموجات من الجفاف تراوحت ما بين 79 و99 في المائة. وبالإضافة إلى شح المياه، فإن الجفاف في الغرب الأميركي يؤدي إلى حرائق قاتلة وإلى تدهور المحصول الزراعي.
أما في دول الساحل، فإن الجفاف الذي عرفته المنطقة على مدى عشرين سنة من 1970 إلى 1991، وكذا توالي سنوات الجفاف بعد ذلك، رغم التساقطات التي تعرفها المنطقة من حين إلى آخر، انتقص من منسوب مياه نهر النيجر، ورفع من النزاعات المتعلقة بالماء، وجعل مُدناً مثل نيامي تعرف نقصاً حاداً في الماء والكهرباء خصوصاً في الفصول التي تعرف حرارة مهولة، وأثَّر سلباً على النشاط الرعوي والفلاحي.
أيضاً أدى الجفاف المزمن في القرن الأفريقي إلى المجاعة في الصومال وإثيوبيا والهجرة الجماعية واستمرار الحرب الأهلية في الصومال وحالات اللاأمن في الصومال، وكينيا، وإثيوبيا، وإريتريا. في سنة 2022 وحدها، بلغ عدد الأبقار التي نفقت جراء الجفاف مليوناً ونصف المليون، وانخفض المحصول الزراعي إلى أدنى مستوياته (فضائية الجزيرة إنجليزي «أزمة الجفاف تضع القرن الأفريقي على حافة الكارثة» 15 فبراير (شباط) 2022).
المغرب بلد شبه قاحل، شمالُه يعرف تساقطات مطرية مهمة ووسطه وجنوبه يشهد تداول سنوات من الجفاف وسنوات ممطرة منذ عقود من الزمن. حسب الأمم المتحدة، فإن «المغرب قد يعرف فصولاً طويلة من الجفاف (مرة كل ست سنوات) غير أنه في الثلاثين سنة الماضية تقلص هذا الأمر إلى مرة كل ثلاث سنوات» (الأمم المتحدة، «دعم جهود المغرب في تدبير والتقليص من حدة ندرة المياه»).
تعرف سنة 2022 شُحّاً مقلقاً في الأمطار في المغرب، حيث انخفضت حقينة السدود إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، وجَفَّت الآبار والمنابع، وتراجع منسوب الأنهار، وقلَّت المياه الجوفية والسطحية على حد سواء. أثّر هذا على الحالة المعيشية لجل سكان البادية الذين يعيشون على الرعي والزراعة البورية، كما أدى بالكثير منهم إلى شراء الأعلاف بثمن مرتفع أو بيع الماشية بأثمان بخسة.
تَدخُّل الحكومة بإيعاز وريادة من الملك محمد السادس سيأخذ شكل برنامج استثنائي قيمته نحو مليار دولار، ويهم «حماية الرصيد الحيواني والنباتي وتدبير ندرة المياه»، و«التأمين الفلاحي»، و«تخفيف الأعباء المالية على الفلاحين والمهنيين» (بيان رئيس الحكومة، 17 فبراير 2022).
البرنامج من شأنه أن يساعد الفلاحين وسكان القرى في التخفيف من حدة الأزمة. ولكن ظاهرة الجفاف صارت أمراً بنيوياً في المغرب وأمم أخرى كثيرة، وبالتالي أصبح عليها أن تتعلم كيف تتعايش معه عبر التأقلم وتقوية المناعة لدى الساكنة المحلية. إضافة إلى ذلك، وجب على المغرب التسريع في تنفيذ استراتيجية الماء 2020 - 2050 والمرتكزة على الاستمرار في تعبئة المياه السطحية عبر السدود، وربط سكان القرى بشبكة توزيع الماء، والاستثمار في تحلية مياه البحر وفي تعبئة المياه غير التقليدية، وضمان استدامة استعمال الماء لأغراض فلاحية، وحماية المنظومات الإيكولوجية المائية على مستوى الساحل والبحيرات ومواقع «رامسار» والفضاءات الرطبة وغيرها.
أخيراً، للجفاف تأثير سلبي على الغابات التي هي أصلاً عرضة للاستغلال غير المستديم من طرف جزء من السكان. إعادة التشجير وحماية ما تبقى من الغابات، وإيجاد حلول لسكان الغابات خارجها، وإعادة إحياء توازنات السلسلة الغذائية داخل مجال الغابات هي إجراءات من شأنها أن تجعل الغطاء الغابوي يساهم في خلق الرطوبة الكافية لمواجهة آثار الجفاف والتصحر وزحف الرمال.
الجفاف ظاهرة من ظواهر التحولات المناخية، وهو يقتضي معالجة محلية موضعية من قبيل الزراعات البديلة والاستعمال الرشيد للماء وتعبئة الموارد غير التقليدية والمحافظة على التوازنات الإيكولوجية والتنوع البيولوجي، وكذلك معالجة ما بين دولية من قبيل بلوغ مستوى الصفر من انبعاث الغازات التي تتسبب في الاحتباس الحراري والحيلولة دون ارتفاع الحرارة إلى أكثر من درجة ونصف درجة مقارنة مع الفترة ما قبل الثورة الصناعية الثانية.
نعم، الجفاف ظاهرة مزمنة في عالم اليوم ولكنه ليس قدراً محتوماً إن أسرعنا في اتخاذ الإجراءات اللازمة محلياً ودولياً وأعطينا الأمل للكل في ضمان استمرار الحياة على كوكبنا، الأرض.