عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

هل نحن على مشارف نهاية الجائحة؟

بعدما عمدت العديد من الحكومات الغربية إلى تخفيف القيود المشددة التي فرضت بسبب جائحة «كورونا»، بل إزالتها كلياً في بعض الدول، وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن عدد الإصابات الجديدة المسجلة عالمياً انخفض بنسبة 19 في المائة خلال الأسبوع الماضي، بدأ الناس يتساءلون: هل انتهت الجائحة، أو هل نحن على مشارف نهايتها؟
وفقا للمختصين فإن هناك نوعين من النهايات لأي وباء أو جائحة؛ نهاية طبية أو نهاية اجتماعية. النهاية الطبية عندما ينجح العلم والطب في السيطرة على الجائحة فتنخفض معدلات الإصابات والوفيات بشكل كبير بفضل اللقاحات وتطوير علاجات. وحتى إذا لم يتم القضاء على الجائحة تماماً فإنها تصبح مرضاً موسمياً يمكن التعايش معه. أما النهاية الاجتماعية فتحدث عندما يتعب الناس من القيود بعد مرور فترة من الزمن يكونون فيها قد تأقلموا وتعلموا كيف يتعايشون مع الجائحة، وبالتالي تتلاشى حالة الرعب التي أصابتهم في البدايات، بما يسمح بعودتهم لاستئناف حياتهم بشكل شبه طبيعي، حتى لو استمروا في مراعاة الاحترازات.
وكلما طال أمد الوباء أو الجائحة، فالمرجح أن تحدث النهاية الاجتماعية قبل الطبية. ونحن الآن نعيش بدايات النهاية الثانية حيث تلاشى الخوف إلى حد كبير، وبدأ الناس يعودون تدريجياً لممارسة حياتهم بشكل شبه طبيعي مع مراعاة أي قيود مفروضة أو احترازات مطلوبة.
يترافق ذلك مع التطورات المشجعة على صعيد التأثير الإيجابي للقاحات، مما جعل الحكومات تبدأ في تخفيف القيود المشددة وتشجع الناس على العودة لاستئناف أنشطتهم وحياتهم مع بقاء الحذر. صحيح أن تخفيف القيود كان مدفوعاً أيضاً بحاجة الحكومات لفتح الاقتصاديات التي شلتها الجائحة، وبأن الناس تعبوا من القيود الكثيرة بينما الجائحة في عامها الثالث، لكن هذا لا يلغي حقيقة أن استخدام اللقاحات قلص كثيراً من الوفيات الناجمة عن «كوفيد - 19»، وساعد في أن تصبح أعراض المرض خفيفة وليست بالحدة التي أثارت الرعب إبان الموجتين الأولى والثانية للجائحة.
وتعمل شركات الدواء حالياً في عدة اتجاهات، إذ تنشط لتطوير لقاح ضد متحور «أوميكرون»، بينما يدرس الباحثون إمكانية إنتاج كوكتيل لقاحات مدمجة في جرعة واحدة للوقاية من كل المتحورات المعروفة، ويواصلون في الوقت ذاته الجهود للتوصل إلى علاج للمرض، وهي الخطوة التي ستكمل الجهود لإعلان القضاء على الجائحة، بحيث تختفي تماماً أو تتحول إلى وباء موسمي مثل الإنفلونزا يمكن للناس التعايش معه ومواصلة حياتهم العادية، وعندها نكون بلغنا مرحلة النهاية الطبية للجائحة.
لكن على الرغم من التقدم الكبير والواضح في مكافحة الجائحة تبقى بعض المشاكل المقلقة. بداية هناك مشكلة التفاوت الكبير بين الدول الغنية والفقيرة في التطعيم وتوزيع اللقاحات. ففي رسالته التي وجهها للقاء العالمي ضد «كوفيد - 19» هذا الأسبوع، حذر مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريسوس من أن العالم يبدد فرصة السيطرة على الوباء بنهاية العام الحالي، مشيراً إلى تدني التطعيم في الدول الفقيرة بسبب احتكار الدول الغنية للقاحات وارتفاع أسعارها بما يجعلها فوق قدرات كثير من الدول. وقال إن 116 دولة قد لا تتمكن من بلوغ الهدف العالمي لتلقيح 70 في المائة من السكان، وهي النسبة التي حددها الخبراء للوصول إلى «مناعة القطيع» على مستوى العالم.
هناك أيضاً مسألة مناهضي التطعيم وحملات التضليل في الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. فنسبة الإصابات والوفيات بين من لم يتلقوا لقاحات ما تزال عالية، وفئة غير المطعمين تبقى مصدر خطر على مجتمعاتها لأنها تشكل بيئة خصبة لظهور متحورات جديدة. وعلى الرغم من المساعي التي تقوم بها الحكومات لإقناع الناس بالتطعيم، فإن حركة مناهضي اللقاحات تقوم بنشاط كبير في الاتجاه المعاكس وتعمل على ترويج رسالتها بمختلف الوسائل. على سبيل المثال استغلت هذه الحركة الضجة الواسعة التي رافقت منع السلطات الأسترالية نجم التنس العالمي نوفاك ديوكوفيتش من الدخول رافضة منحه أي استثناء من القيود المفروضة. ولأن ديوكوفيتش يرفض أخذ اللقاح ويتمسك بأن مبدأ الحرية الشخصية يجعل من حقه أن يقرر ما الذي يدخل أو لا يدخل جسده، فإن حركة مناهضي التطعيم جعلت منه بطلاً واستغلت أزمته في أستراليا في الدعاية لحملاتها.
كذلك شجعت هذه الحركة احتجاج سائقي الشاحنات الذين أغلقوا «جسر السفير» الرابط بين كندا والولايات المتحدة، وشلوا المنطقة المواجهة للبرلمان في أوتاوا، احتجاجاً على القيود الصحية بسبب الجائحة وإلزام السائقين الذين يعبرون الحدود بإبراز شهادة تطعيم. وسرعان ما امتد تأثير هذه الاحتجاجات إلى مدن أخرى في كندا وإلى عواصم أوروبية ووصل حتى نيوزيلندا.
حركة مناهضي اللقاح تضم خليطاً عجيباً من أصحاب نظرية المؤامرة الذين يعتبرون الجائحة مصطنعة، وأولئك الذين أوهموا أنفسهم بأن اللقاحات إما قاتلة أو أنها تستخدم لزرع شريحة إلكترونية صغيرة جداً للتحكم في البشر. وانضم للحركة أيضاً الفوضويون، والمعارضون لفكرة الحكومة المركزية، وأنصار اليمين المتطرف، وليبراليون من المتشددين في رفض كل ما من شأنه أن يقيد الحريات الشخصية. الحجة التي يدفع بها كثيرون من الرافضين للتطعيم في أن من حقهم أن يقرروا ماذا يدخل جسدهم، تدخلنا في الجدل القديم حول الحريات الشخصية والمسؤولية المجتمعية، وأين ومتى تنتهي حرية الفرد وتبدأ حدود حرية الآخرين. فإذا كان معارضو اللقاح يعتبرون من حقهم رفض التطعيم، فليس من حقهم رفض تحمل تبعات قرارهم والاحتجاج على القرارات التي تحمي الآخرين والمجتمع الأكبر، لأن موقفاً كهذا يعتبر قمة الأنانية. فالدولة قد لا تستطيع إرغام الإنسان على تلقي اللقاح بالقوة، لكن من حقها فرض إجراءات معينة لحماية المجتمع مثل إبراز شهادة تطعيم أو فحص لـ«كوفيد» كشرط لدخول أماكن التجمعات أو للسفر في المواصلات العامة.
أهمية هذا الموضوع تكمن في أنه ما دامت الجائحة موجودة ولم يتم القضاء عليها نهائياً بما يجعل احتمال ظهور متحورات جديدة خطراً ماثلاً، فإن الحكومات قد تضطر للعودة إلى بعض القيود والإجراءات متى ما دعت الحاجة.
العلماء يقولون إن أفضل طريقة للتعامل مع الجائحة في هذه المرحلة هو أن نتعلم التعايش معها مثلها مثل الإنفلونزا ما دام الفيروس قادراً على التحور. المهم أن تبقى اللقاحات فعالة، والأمل أن تتحقق في مرحلة ما «مناعة القطيع». وحتى إذا لم تنجح مختبرات الأبحاث وشركات الأدوية في تطوير علاج فعال، فإن اللقاحات كسرت حدة الفيروس، وقلصت بنسبة عالية الوفيات الناجمة عن الإصابة بـ«كوفيد - 19». الخوف بالطبع يبقى في احتمال ظهور متحور شرس ينجح في تجاوز مناعة اللقاحات ويعيدنا إلى المربع الأول. لكن العالم اليوم غير العالم في بداية الجائحة، فقد اكتسب العلماء والأطباء خبرات مهمة وجمعوا معلومات كثيرة عن الفيروس، وبالتالي باتوا أقدر على التعامل مع متحورات الفيروس. باختصار العالم في وضع أفضل والناس بدأوا يخرجون من عزلة الجائحة لممارسة حياتهم ولو مع بعض الاحترازات وشيء من الحذر.