تعتبر مسألة مراجعة الأقران أكبر نقطة قوة وكذلك أكبر نقطة ضعف في منظومة البحث العلمي، ذلك أنها تتولى تنقية العمل الرديء وتجعل العمل الجيد أفضل. إلا أنها قد تتسبب في الوقت ذاته في إبطاء وتيرة نشر الأفكار الجديدة، الأمر الذي يخلق مشكلة كبيرة عند التعامل مع تحديات تتغير بسرعة، مثل جائحة فيروس «كوفيد - 19». وبطبيعة الحال، يمكن لضغط الأقران أن يفشل، فعلى سبيل المثال يحتفظ موقع «رتراكشن ووتش» بقائمة تضم أكثر عن 100 ورقة بحثية حول «كوفيد - 19» جرت مراجعتها من جانب أقران ونشرها، ثم سحبت بعد ذلك.
بصورة عامة، أبلى المجتمع العلمي بلاءً حسناً في إدارة تحدي مراجعة الأقران. جرى إصدار معظم الأبحاث اليوم في الأصل في شكل مطبوعات مسبقة، وهي مقالات جرت إتاحتها على نطاق واسع رغم أنها لم تخضع لمراجعة من قبل الأقران. أما الدوريات العلمية الكبرى، التي تصر على الحصرية، فقد وافقت على عدم اعتبار ما قبل الطباعة أنه قد تم نشره، ما يعني أنها ستعتبر هذه الدراسات صالحة للنشر. وبهذه الطريقة، يخرج العمل للنور سريعاً وتبقى أمامه فرصة للظهور في دوريات علمية، الأمر الذي يستلزم تدقيقا أكبر (من خلال مراجعة الأقران) ويكسب القائمين على الدراسة قدراً من السمعة الأكاديمية.
ومع ذلك، يظل من الممكن نشر المعرفة العلمية على نحو أفضل.
من ناحيته، ذكر روبرت ويست، الأستاذ الفخري للعلوم السلوكية والصحة في يونيفرستي كوليدج لندن ومحرر سابق لقضايا الإدمان بإحدى الدوريات العلمية، أن العنصر الأهم يكمن في تطوير نظام يحافظ على السرعة، مع تقليل مخاطر ظهور أفكار زائفة مثل علاج «كوفيد - 19» باستخدام «إيفرمكتين» أو «هيدروكسي كلوروكين».
من ناحيتها، وفي محاولة مبكرة لجمع ونشر أعمال الفترة الأولى من عملها، أنشأت المعاهد الوطنية للصحة سجلاً للمطبوعات السابقة للأبحاث البيولوجية، لكنها أوقفته عام 1967 بعدما رفضت الدوريات العلمية المعنية (في ذلك الوقت) النظر في المواد التي سبق نشرها كمطبوعات مسبقة.
كان نظام ما قبل الطباعة قد بدأ في أبحاث الفيزياء والرياضيات وعلوم الكومبيوتر. وأنشأ بول غينسبرغ، العالم المتخصص في الفيزياء النظرية، سجلاً حمل اسم «أرشيف» أثناء في مختبر لوس ألاموس الوطني عام 1991. واليوم، تجري استضافة «أرشيف» في كورنيل، حيث يعمل غينسبرغ بمجال نظريات فيزياء الكم.
أسهم نجاح «أرشيف» في نشر الأبحاث بسرعة وبتكلفة زهيدة، «بيوريكسيف» عام 2013 و«ميدريكسيف» عام 2019 في المجال الطبي، أدى تفشي فيروسي إيبولا وزيكا بين عامي 2013 و2016 إلى زيادة الاهتمام في طبعات ما قبل الطباعة. عام 2016 أصدرت الدوريات الرئيسية والمنظمات المعنية بالصحة العامة بياناً حول أهمية التشارك في البيانات في حالات الطوارئ الصحة العامة.
في هذا الصدد، أعرب مايكل إي. مولينز، الأستاذ المساعد في مجال طب الطوارئ في كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس، عن اعتقاده بأن جائحة «فيروس - 19» هي التي أدخلت المطبوعات المسبقة في التيار الرئيسي لمجال الطب. جدير بالذكر أن مولينز يتولى تحرير دورية علمية بعنوان «توكسيكولوجي كومينيكيشنز»، بجانب توليه تحرير دورية علمية تقليدية تحمل اسم «كلينيكال توكسيكولوجي»، يتحمل المشتركون بها تكاليف النشر.
جدير بالذكر هنا أنه مع الطبعات المسبقة، لا توجد رقابة على مستوى الجودة، باستثناء بعض الإجراءات الرقابية العامة. على سبيل المثال، أشار القائمون على سجل «ميدريكسيف» إلى أن جميع المخطوطات تخضع لعملية فحص أساسية لرصد أي محتوى مسيء أو غير علمي، وكذلك المواد التي تشكل خطراً على الصحة، لكن حدود التفحص تقف عند هذا الحد.
على الجانب الإيجابي، يهتم معظم العلماء بسمعتهم ويحرصون على إنتاج أبحاث جادة. بجانب ذلك، فإن الأخطاء في طبعات ما قبل الطباعة عادة ما يكشف عنها العلماء الأقران، حتى لو لم يقع عليهم الاختيار رسمياً كمراجعين. وأصبح الصحافيون أكثر حرصاً في التعامل مع الطبعات المسبقة من أبحاث لم تجر مراجعتها من جانب أقران، وبالتالي فإنه ربما تكون خاطئة.
والتساؤل هنا: ما الذي يمكن فعله أكثر عن ذلك؟
من جهته، اقترح الدكتور مولينز في مقال نشره في دورية «ساينتست» في نوفمبر (تشرين الثاني)، أن يكون للمطبوعات المسبقة «مدة صلاحية محدودة تنتهي في غضون 12 شهراً»، حتى لا يستمر وجود البحث الرديء. أما إذا كان البحث جيداً، فلا بد أنه عثر على ناشر له خلال هذه الفترة. واقترح ضرورة وجود علامة مائية على كل صفحة تشير إلى أن البحث لم يخضع لمراجعة الأقران.
إضافة لذلك، اقترح ربط المطبوعات المسبقة رقمياً بالمقالات التي راجعها الأقران، وذلك بهدف «تحفيز المؤلفين على إكمال عملية مراجعة الأقران».
وتبدو الدوريات المفتوحة حلاً آخر لتحدي السرعة مقابل الجودة. وعلى عكس المطبوعات المسبقة، فهي تخضع لمراجعة الأقران. ومع ذلك، فإن بعضها غير موثوق به، حسبما حذر الدكتور مولينز. وذكر أنه ظهرت المجلات منخفضة الجودة لتحصيل مدفوعات من الباحثين الذين هم في أمس الحاجة إلى نشر أبحاثهم.
ويتمثل التحدي الأكبر على صعيد النشر العلمي في استبعاد جميع المواد الرديئة مع عدم حظر أي من المواد الجيدة. وبطبيعة الحال، هذا أمر ليس بالهين، لكن لحسن الحظ، هناك الكثير من الأشخاص الأذكياء الذين يحاولون إيجاد حل لهذه المعضلة.
* خدمة «نيويورك تايمز»
7:52 دقيقه
TT
كيف يمكن نشر العلوم بسرعة؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة