علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

العدالة

لست رياضياً بالمعنى الاحترافي، وأيضاً لست متابعاً للكرة بالمعنى الدقيق، ولكني أهتم بها أحياناً، لأن ذلك يتيح لي نوعاً من التفاهم مع المجتمع الرياضي من حولي، وأيضاً بحكم عملي الصحافي الذي يفرض عليّ ارتباطاً بالأحداث.
وقد علق في ذهني تصريح رياضي أظن أنني قرأته في الشقيقة «الرياضية» لإمبراطور الكرة الألمانية بيكنباور، حينما سُئل عن سر قوة المنتخب الألماني، فأجاب بأن «السر يكمن في عدالة حكام دورينا»، وهو صادق، فحينما تتحقق العدالة لا يشعر أحد بالظلم أو الضيم.
فاللاعبون حينما يشعرون بعدالة المنافسة الكروية، يقدمون أفضل ما لديهم لأنهم لا يشعرون بالإحباط من حكم يضيع مجهودهم، فلا يقدمون أفضل ألعابهم، وهذا عاد بالفائدة على بلادهم حتى إن منتخبهم الألماني يلقب بـ«الماكينة الألمانية».
لا تستغرب عزيزي القارئ من تداخل الرياضة في الاقتصاد، هذا الاستطراد أتى بعد أن رأيت بعض بلداننا العربية، وعلى رأسها السعودية، تشن حرباً شعواء على الفساد الذي ضرب أطنابه في مضاربنا العربية حتى نخر اقتصادنا ومجتمعنا.
الفساد هو رمز لعدم تحقق العدالة، فلك أن تتصور أيها القارئ الكريم أن مسؤولاً يملك مؤسسات اقتصادية معينة، فهل تتوقع أنه سيرسي مشاريع وزارته على تجار أو مقاولين آخرين؟؟؟؟؟!!!!! بالتأكيد لا، لأن مصلحته ستكون أهم من مصلحة وزارته ومن ثم بلاده، هذا مثل مباشر لأوضح أنواع الفساد.
وهناك المرتشي الذي يتعاون مع الراشي ويزوّر في المحررات الرسمية لمصلحة جيبه ضارباً بعرض الحائط المصلحة العامة، بل هي آخر اهتماماته.
وأنواع الفساد أكثر من أن تُحصى فهناك من يستغل منصبه ليزاحم رجال الأعمال في أرزاقهم إما بطلب الإتاوة وإما بطلب مشاركتهم في أموالهم وكياناتهم التجارية، التي أفنوا جل أعمارهم في خدمتها حتى كبرت تلك المؤسسات، ويكون ذلك مقابل تسهيل أمورهم في وزارته وفي كلتا الحالتين المتضرر الوطن.
وحينما يستشري الفساد في بلد ما، فإن رجال الأعمال أمام خيارين؛ ترك بلادهم والهجرة مع أموالهم خارج الوطن أو توقف أعمالهم أو تجميدها، وفي كل الحالات المتضرر الوطن. ناهيك أنه حينما يستشري الفساد فإن المستثمرين الأجانب يعزفون عن الاستثمار في البلد ومرة أخرى المتضرر الوطن.
فإذا كانت العدالة في منافسة كروية خلقت منتخباً قوياً فإن محاربة الفساد تخلق اقتصاداً قوياً يستفيد منه الوطن. والأهم من ذلك أنه إذا فسد رئيس الجهاز فسد مَن تحته وحينها اكتب البلد السلام. ودمتم.