سليمان الحربش
TT

وماذا عن «أوابك»؟ أليس التخصيص هو الحل؟

أبدأ أولاً بتهنئة الكويت الشقيقة بفوزها بمنصب الأمين العام لمنظمة أوبك، وأحمد الله أنها هذه المرة «جت سليمة»، الأخ هيثم الغيص أول عربي خليجي يفوز بالتزكية بعد أن ظل المنصب سنوات دولة بين ثلاث دول غير عربية. وما أجمل أن نحتفي نحن الخليجيين بهذا التحول الذي تحقق عندما تحدثنا بصوت واحد عبر عنه الأخ الصديق صادق معرفي سفير دولة الكويت لدى النمسا في رده على تهنئتي له بقوله: «هذا الإنجاز المستحق أتى بدعم الأمير عبد العزيز بن سلمان الذي سهر على حصول الأخ هيثم على هذا المنصب، كل الشكر للشقيقة الكبرى».
هنيئاً من القلب للكويت الشقيقة برئاستها لخمس منظمات حكومية هي:
أوبك، أوابك، مجلس التعاون، الصندوق العربي، والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار، وهي بلا شك أهل لذلك.
بعد هذه المقدمة نأتي إلى (ثانياً) وهو موضوع مقال ظلت فكرته حبيسة في ذهني سنوات عديدة، لعل ما نعيشه من فرحة بما حققته الشقيقة الكويت من نجاح دبلوماسي يسمح بشيء من المصارحة، الموضوع: أوابك أو منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول التي يصادف هذا الشهر مرور أكثر من نصف قرن على قيامها.
يتساءل هذا المقال عن وضع المنظمة وهل من الأجدى أن تظل كما هي تموت كالأشجار واقفة، أم أن الوقت قد حان لتغيير مسارها وبث روح جديدة فيها تجعلها تواكب ما يدور حولها من أحداث وتطورات؟ ولفائدة القارئ وحثه على متابعة القراءة أوضح أنني عاصرت قيام المنظمة، وحضرت بصحبة أول أمين عام لها وهو وزير البترول السعودي اجتماعاتها الوزارية عندما كان الشيخ أحمد زكي يماني يشرف عليها من أحد أجنحة فندق الشيراتون في الكويت، ثم شاركت في عضوية إحدى الشركات التي أنشأتها وهي الشركة العربية البحرية لنقل البترول. وشهدت كيف يتعثر العمل العربي المشترك عندما تطلب الأمر دعم الشركة وانتشالها من خسائرها. ولنعد بلمحة عن البداية:
1 - تأسست منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول في شهر يناير (كانون الثاني) من عام 1968 بمبادرة من ثلاث دول هي المملكة العربية السعودية ودولة الكويت وليبيا (المملكة الليبية آنذاك) تحدوها الرغبة في تخليص العمل البترولي من شوائب الخلافات السياسية التي كانت تسود الجامعة العربية في ذلك الوقت، وقد كان البترول أحد الأمور التي عالجتها الجامعة ضمن الإدارة العامة للبترول ولجنة خبراء البترول العرب في إطار المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي، إلا أنه باستثناء مؤتمرات البترول العربية التي بدأت في عام 1959 فإن الجامعة العربية لم تفلح في أي نشاط بترولي عربي مشترك، وبذلك فإن التحدي الذي واجهته المنظمة من أول وهلة كان (ولا يزال) هو إبعاد البترول عن حمأة الخلافات السياسية العربية والسير بالتعاون البترولي على أسس علمية وتجارية مدروسة، ولم يخفَ على من تابعوا مولد المنظمة وأنا منهم البصمات الواضحة للعاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز، خصوصاً إذا عدنا بالذاكرة لذلك العام وما سبقه من سنوات مثقلة بالهموم والخلافات.
2 - ولما سبق فقد جاءت المادة الثانية من اتفاقية المنظمة التي تتضمن الهدف من إنشائها لتعكس المناخ السياسي السائد في ذلك الوقت، إذ إن الدول المؤسسة لم يجمعها فقط مركزها البترولي المتميز، وإنما ألف بينها التقارب في النظم السياسية والانسجام في الأهداف والوسائل، ومن أجل ذلك حرص واضعو الاتفاقية على إبراز أهم الطرق التي تؤدي إلى تحقيق هدف التعاون في مختلف أوجه النشاط الاقتصادي في قطاع البترول، ومن ذلك إنشاء المشاريع المشتركة، وتنسيق السياسات الاقتصادية البترولية، والتوفيق بين الأنظمة القانونية وإتاحة فرص التدريب لمواطني الدول الأعضاء فيما بينها.
3 - أخلت الأحداث التي طرأت على الساحة البترولية والسياسية بدءاً من 1969 إلى 1973 بوحدة الأهداف التي جمعت بين الدول المؤسسة، ومن تلك الأحداث الانقلاب الذي حدث في ليبيا وقيام نظام سياسي جديد، وما شهدته السوق البترولية من تطورات لم تكن في الحسبان، وانتهى الأمر إلى تعديل اتفاقية إنشاء المنظمة بحيث أصبحت عضويتها مفتوحة لأي قطر عربي يشكل البترول مصدراً مهماً لدخله القومي بدلاً من المصدر الرئيسي والأساسي لهذا الدخل، ودخلت في المنظمة عدة أقطار لا تتمتع بأي ثقل بترولي ولا غبار على ذلك لولا أن بعضها يرفع شعارات تكاد تعيد البترول العربي إلى حظيرة الجامعة العربية.
4 - رغم هذه العقبات سارت المنظمة في تطبيق أهم وسيلة من وسائل تحقيق أهداف التعاون، وهو إنشاء المشروعات البترولية المشتركة (م 2 من اتفاقية المنظمة) وكان أولها الشركة العربية البحرية لنقل البترول «AMPTC» التي شاركت في مجلس إدارتها عدة سنوات، وقد تعثرت هذه الشركة بسبب أوضاع السوق، وسوء الإدارة، وموقف بعض الدول السلبي من المنظمة ومشاريعها، ولولا الدعم الذي تلقته الشركة من دول الخليج أو بعضها لخرجت تلك الشركة من السوق. أما الموقف السلبي لبعض الدول الأعضاء فقد وصل إلى لجوء الشركة للهيئة القضائية التابعة للمنظمة مطالبة بتسديد تلك الدولة ما عليها من متأخرات من أقساط رأس المال ومبالغ الدعم، ما يهمنا هو موقف الدول الأعضاء من المنظمة بوجه عام عندما تدعو الحاجة إلى بذل أي جهد مادي لدعم المنظمة أو أحد مشاريعها بعيداً عن شعارات العمل العربي المشترك.
5 - نظراً لاختلاف الأجندة السياسية للدول الأعضاء بدأت المنظمة تفقد المبرر الأساسي لوجودها، خاصة أنه لم يعد هناك مجال لإنشاء مشروعات أخرى غير ما تم إنشاؤه، وهي مشروعات مستقلة عن سلطان المنظمة فور تأسيسها. أما تنسيق السياسات البترولية بين الدول الأعضاء فلم يعد بنداً مهماً من أجندة المنظمة إذا أخذنا في الاعتبار أن المادة الثالثة من اتفاقية المنظمة أخضعت الدول الأعضاء لما تتخذه أوبك من قرارات حتى بالنسبة للدول غير الأعضاء في أوبك. وهنا يبرز السؤال الصعب: هل لوجود المنظمة بوضعها الراهن ما يبرره أم أن ما يحدث في العالم يقتضي أن تبحث الدول الأعضاء عن صيغة جديدة أكثر مواكبة للأحداث ومتطلبات العصر؟
الحقيقة أن من يمعن النظر في البيان الصادر عن الاجتماع السابع بعد المائة لمجلس وزراء المنظمة ينتهي إلى أن الوقت قد حان للنظر في وضع المنظمة بشكل أكثر صدقاً وحزماً، إذ إنه باستثناء اعتماد الميزانية السنوية التي لم يتطرق البيان لرقمها فإن باقي البنود متابعة لما يحدث في عالم اليوم من دون أي إشارة لدور المنظمة في تلك الأحداث. وقد يتساءل القارئ - ولا تثريب عليه - هل يتطلب الأمر أن يجتمع الوزراءعن قرب أو بعد للاستماع إلى تقرير عن علاقة المنظمة بالشركات المنبثقة عنها، وهو بند أولى بالمكتب التنفيذي أن يتابعه، والأمر كذلك فيما يخص بقية البنود مثل متابعة مخرجات قمة غلاسكو وموعد ومكان اجتماع مؤتمر الطاقة العربي الذي سيجتمع بعد خمس سنوات من آخر دورة له في مراكش والمنظمة واحدة من عدة جهات تقوم برعايته.
البند الوحيد الذي يدعو للتفاؤل ويلتقي مع هدف هذا المقال هو ما ورد في البند الذي ينص على:
«إن المجلس اطلع على سير العمل في خطة تطوير وتفعيل نشاط المنظمة»، لكن البيان لم يشر إلى الجهة المنوط بها هذه المهمة الجسيمة وعما إذا كانت لجنة وزارية منبثقة عن المجلس؟ أغلب الظن أن الأمر متروك للأمانة العامة!!
أنا لست متفائلاً من أي حل يُبقي على الشكل القانوني للمنظمة سواء بقيت منظمة بترولية أو أصبحت كغيرها منظمة تُعنى بكل مصادر الطاقة، خاصة إذا بقيت ميزانيتها في حدودها الحالية. والحل يبدأ من أي فكرة تحرر المنظمة من سياسات الدول الأعضاء.
إذن هل يكمن الحل في التخصيص، وذلك بتحويل المنظمة إلى مركز عربي لدراسات الطاقة، على سبيل المثال؟
يبدو أن هذا هو أكثر الحلول نجاعة للتعامل مع ما تمر به قضايا الطاقة من تحولات، لكنه أسلوب يتوقف تنفيذه على قبوله من حيث المبدأ من دولة المقر الشقيقة الكويت وهي الرائدة في تفعيل العمل العربي المشترك، ومن دولة الرئاسة المملكة العربية السعودية ووزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان الذي لا تأخذه لومة لائم في التعامل مع أعقد القضايا في عالم تتنازعه قضايا أمن الطاقة ومفاوضات المناخ وما تنطوي عليه من مصالح متضاربة، والأمير لا تنقصه المعرفة ولا الدبلوماسية ولا العزيمة في اقتحام المستحيل.