حنا صالح
كاتب لبناني
TT

تحدي الانتخابات اللبنانية أن تكون محطة للتغيير!

يستحق لبنان اليوم تسمية بلد الأرقام القياسية، كما الغرائب والعجائب!
تضرب الانهيارات حياة الناس، وينتقل البلد بسرعة فائقة من كونه بلد البحبوحة إلى بلد العوز والجوع، ويُسقط التفجير الهيولي حكومة حسان دياب فيستمر الفراغ المسمى تصريف أعمال طيلة 13 شهراً، فيسجل لبنان لجهة ديمومة الفراغ في مركز القرار رقماً في «الغينيس بوك» يستحيل كسره!
وعندما يشكل نصر الله حكومة «الأثلاث الثلاثة المعطلة»، ويأتي بنجيب ميقاتي إلى رئاستها قبل 112 يوماً، سرعان ما تدخل في موت سريري منذ 82 يوماً، فيصبح ممنوعاً عليها الاجتماع كمجلس وزراء لأنها لم تستطع «قبع» قاضي التحقيق العدلي في جريمة تفجير المرفأ وبيروت تلبية لطلب «حامل الأختام»! إنه رقم عالمي جديد لحكومة كاملة الأوصاف ممنوعة من الاجتماع وممنوع دفنها!
يحول «حزب الله» لبنان إلى منصة تصدير للمخدرات، التي تستهدف مجتمعات الخليج ودول العالم، لأنها «بزنس» يوفر مداخيل ضخمة، «تعوض» هذه الجهة ومعها النظام السوري ما أفقدتهما العقوبات الأميركية والعالمية من مداخيل! وتحت الضغط لحماية الحدود ومصالح البلد كما مصالح المقيمين والمغتربين، تشمر السلطة عن ساعديها وتطلق النفير لمواجهة التهريب. عشية رأس السنة، يطل وزير الداخلية مستعرضاً في مرفأ بيروت النجاح في منع تهريب 9 ملايين حبة كبتاغون إلى الكويت كانت معبأة في حبات الليمون. تم القبض على صناديق «نيترات» الليمون وما من فاعل!
يحصل هذا السيناريو ويتكرر لأنهم جعلوا لبنان بلد فضائح وغرائب وعجائب! سيناريو ركيك، الشاري معروف والموضب معروف ومثله الشاحن، لكن هناك سلطة عليا أخرى، هذا ما سمحت به فالتزمت به داخلية حكومة «الثورة المضادة»!
بالأدلة والتوثيق صوتاً وصورة، يتم الكشف عن دور عسكري لـ«حزب الله» في الحرب من اليمن ضد الشعب السعودي، كما إعطاء الأوامر بقصف أهم شريان تجارة عالمي في باب المندب والبحر الأحمر، فيقتصر موقف رئيس الجمهورية، الذي قدم نفسه كرمز معارض (...) على عبارة الحرص على العلاقات مع دول الخليج خصوصاً السعودية، وما من جهة تتطوع لتكشف كيف يمكن أن يصرف هذا الحرص؟
أما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فقد وجد أنه الوقت الأنسب للدفاع عن «لبنانية» يراها في أداء «حزب الله»، وأنه لا يرى أي «هيمنة إيرانية» (...)، لم يخبرنا والحال هكذا، عمن يمنع حكومته من الاجتماع كمجلس وزراء، ولم يخبرنا عن دور سلاح الدويلة في حرب ضروس تستهدف الحقيقة في تفجير المرفأ وبيروت، وتجاوزت مطلب «قبع» المحقق العدلي، وباتت تستهدف العدلية برمتها! إنه بلد الفضائح والارتياب بكل المتسلطين!
أحد أبرز عناوين 2021 لبنانياً تمثل في امتداد طوابير الإذلال، من المصارف إلى الصيدليات ومحطات الوقود والأفران. حلّق سعر الدواء المفقود وغاب حليف الأطفال وعزّ الرغيف، لتمتلئ حسابات الكارتل المافياوي وراء البحار! في الوقت عينه أبدعوا في ابتكار الأحابيل لحماية اللصوص وتدفيع العامة ثمن المنهبة، بعدما تم ترك الناس من دون أي شبكة أمان اجتماعي أو استشفائي!
في هذا التوقيت ابتدع «الأمين» على بيت المال رياض سلامة، التعاميم باسم مصرف لبنان، التي واصلت التهام مدخرات المودعين، في أكبر مخطط «بونزي» لحماية مرابين مصرفيين وسياسيين. وما هم في بلد الفضائح والغرائب والعجائب، إن كان هذا «الأمين» ملاحقاً دولياً بتهم غسل الأموال والفساد، أمام القضاء الأوروبي وكذلك في لبنان؟ فها هو رئيس الحكومة يعلن: «في الحرب لا تغيير الضباط»! أنعم وأكرم بأشباه هذا الضابط الذي لو كان في بلد يسود فيه القانون لتم إرساله إلى القضاء ليحاسبه، لكنه مستمر نتيجة تعليق القانون وممارسة الحكم بالبدع وفتاوى العرافين! ويكفي أنه ولو على سبيل العلم والخبر بدأ عام 2021 مع سعر صرف للدولار 8 آلاف ليرة، وإذا بتعاميم مصرف لبنان التي وصفت بـ«حلولٍ نقدية»، تدفع إلى تضخم سريالي فيقفل العام على سعر صرف 27500 ليرة للدولار الواحد، ولا حسيب ولا رقيب!
طبعاً المشاكل لا تحصى وأبرزها تراجع النخب المتحكمة، فالعقلية التي سادت تحت سيطرة جيش النظام السوري استمرت، بدليل أنه بعد نجاح «انتفاضة الاستقلال» في إخراج هذا الجيش روّجت جهات إلى أن ما كان قبل 1990 وقبل 1975 هو ما تجب العودة إليه، فيما أن ما كان أورث البلد حروبه الأهلية وفتح الأبواب أمام التدخلات الخارجية.. هذه العقلية التي تحكمت، استساغت نقل البندقية من كتف خدمة جيش النظام السوري، إلى كتف خدمة هيمنة طهران من خلال «حزب الله»، فاستباحت مقدرات البلد عندما رسّخت نظام المحاصصة الطائفي الحزبي الغنائمي، ليخرج رئيس الحكومة السابق تمام سلام في ذروة انتفاضة النفايات في عام 2015 ليعلن أن مشكلة البلد الفعلية تكمن في «النفايات السياسية»!
يدخل لبنان عام 2022 ليواجه الانتخابات النيابية كأهم استحقاق دستوري، وليس خفياً أن هاجس «النفايات السياسية» ضخ الدم مجدداً في نظامها التحاصصي الذي أحلّ البدع مكان الدستور، الأمر الذي يضع اللبنانيين أمام تحدٍ مختلف! إنه تحدي بلورة القيادة السياسية القادرة على قيادة معركة استعادة الدولة المخطوفة، وانتشال البلد من قعرٍ لا قعر له فيُمنع تفككه، ويُستعاد العمل بالدستور والتزام القوانين، لتقوم دولة الحق والقانون والمساواة على قاعدة المساءلة والمحاسبة والشفافية!
إن الانتخابات التي تحدد موعدها في 15 مايو (أيار) محطة بالغة الأهمية، ويمكن أن تكون بداية مسار التغيير الجدي، لقلب صفحة متسلطين فقدوا أهليتهم الوطنية واستحقوا تسمية سلام لهم «نفايات سياسية». مرحلة بقدر ما تتطلب مغادرة رصيف التاريخ، تفترض كل المرونة لعدم تفويت أي فرصة يمكن أن تُتاح لـ«التشرينيين» لتسجيل انتصارات. والأكيد أن هذه المرحلة تحتم بناء تحالفات تحمل الأمل في التغيير، لا تكون مطية لاستبدال رمز أقل شحوباً بآخر مقيت. فحول عناوين استعادة الدولة المخطوفة وبسط السيادة وصون العدالة وإعلاء المحاسبة، يمكن لتحالفات جدية أن تبلور تقديم الأشخاص الثقة، فيكون التصويت العقابي بداية للمحاسبة، والسير على طريق قيام مرحلة انتقالية، تسمح بإعادة تكوين السلطة فتزال التشوهات التي ألصقت بالدستور من خلال الممارسة!
يكمل هذا المنحى جهود بناء التنظيم المرتجى المنبثق من «17 تشرين»، وأكثر من تنظيم، لأن في ذلك رافعة قيام جبهة المعارضة الحقيقية، ما يفتح الطريق لاستعادة الجمهورية التي تتسع لأحلام اللبنانيين، فتقفل صفحة «الأباطرة» الذين نصبوا أنفسهم على رأس الطوائف فأذلوا الناس ووضعوا البلد على حافة الضياع!