ماذا سيحدث لهذا العالم لو نضبت منه المياه؟ قد يبدو هذا السؤال ساذجا وبعيدا عن اهتمامات شرائح عديدة من المجتمع العربي..! ولكن قراءة سريعة في رسالة إلكترونية وصلتني قد تغيّر العديد من المفاهيم في ما يتعلق بسوء استخدام المياه. ورد في الرسالة ما يلي:
- أن الماء يغطي معظم كوكب الأرض - على هيئة بحار وجليد - باستثناء 3 في المائة لليابسة.
- أن أقل من 0.007 في المائة من حجم المياه متوافر للشرب.
- أن رُبع حجم الماء الذي يدخل منزلك يُستخدم في (السيفون)، وأن كل ضغطة على (السيفون) تستهلك 3 غالونات.
- أن كل (غسلة) بواسطة ماكينة الغسيل تستهلك 40 غالونا.
- أن الاستحمام لمدة 10 دقائق – مع استخدام الرشاش – يستهلك 50 غالونا.
- أن غسيل الأسنان بالفرشاة – والصنبور مفتوح – يستهلك 4 غالونات.
- أن غسيل الأسنان بالفرشاة - والصنبور مغلق - يستهلك رُبع غالون.
- أن سكان العالم في القرن العشرين تضاعفوا 3 مرات.
- أن ملايين البشر في العالم يعيشون على 3 غالونات للفرد يوميا.
- أن هنالك طفل يموت كل 15 ثانية نتيجة أمراض تتعلق بالمياه.
- أن المياه سوف تنضب من الكوكب قبل نضوب النفط.
هذه الحقائق - إن صحّت - لا شك تجعلنا ندق ناقوس الخطر، لأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش أكثر من أسبوع من دون ماء!
الوضع في منطقة الخليج يثير الكثير من التساؤلات نتيجة عادات ومفاهيم وممارسات استهلاكية - بحكم دولة الرفاه - كما أن الوافدين قد سايروا المواطنين، خصوصا من الذين تتكفل جهات عملهم بفواتير المياه والكهرباء!.. لذا لا أستغرب أن يستهلك جاري (الغربي) مئات الغالونات يوميا لغسل المنزل والسيارتين، بحيث يُحدث أنهارا من المياه خارج حدود المنزل، فما بالكم بالاستهلاك اليومي الداخلي الذي يذهب إلى المجاري؟!
كما أن حرارة الجو في منطقة الخليج، وانتشار الأُسر الممتدة، وكثرة تبديل الملابس وبالتالي غسلها، وكثرة أواني الطبخ، وكثرة السيارات والخدم والسائقين والمسطحات الزراعية والإسمنتية، تجعل المشكلة أكثر بروزا، ناهيك عن عادة الاستهلاك العام - واستهلاك المياه خصوصا - وتدني أسعار المياه التي تدعمها الدولة. وهذا ما جاء في بعض الدراسات أن المواطن الخليجي يستهلك ضعف ما يستهلكه المواطن الأميركي (أي 320 غالونا، بحكم أن الأميركي يستهلك 160 غالونا يوميا). هذا ناهيك عن استهلاك المياه في المؤسسات الخدمية والمستشفيات والجامعات والمصانع الكبرى - التي تعتمد على المياه - وكذلك المنشآت الزراعية والمزارع الخاصة.
وحسب مصادر خليجية، فإن دول مجلس التعاون تستهلك أكثر من 717 مليار غالون من المياه سنويا. وبمعدل 61 غالونا للفرد يوميا (صحيفة «الوسط» - 2013/8/14) ؛ مع تحفظنا على هذا الرقم الذي ناقضَ دراسات أخرى حددت استهلاك الإنسان في الخليج بما معدله 320 غالونا يوميا.
وفي الوقت الذي تصل فيه رسوم المياه المنزلية في فرنسا مثلا إلى 3 دولارات للمتر المكعب، نجد أن الرسوم في السعودية والبحرين تصل إلى أقل من نصف دولار، وترتفع الرسوم في كل من عمان وقطر إلى دولار وربع. وتصل تكاليف إنتاج المياه في الإمارات إلى نحو رُبع دولار، البحرين نحو 60 سنتا، عمان وقطر والسعودية نحو 1.70 دولار، الكويت نحو دولارين. كما أن المخزون الاستراتيجي في بعض دول التعاون لا يتعدى استهلاك يوم واحد (المصدر: البنك الدولي - مركز الخليج لسياسات التنمية، ملف الأمن المائي في دول مجلس التعاون العربية).
وكانت المملكة العربية السعودية قد خصصت مبلغ 7 مليارات دولار للإنفاق على مشاريع المياه عام 2013. ذلك أن معدل استهلاك الفرد في السعودية يبلغ 900 متر مكعب سنويا، مقارنة بالمعدل العالمي للاستهلاك وهو 500 متر مكعب في العام (جريدة «اليوم» - 2013/8/13)
وقد قدرت مصادر خليجية أن تصل الاستثمارات في قطاع المياه وتوليد الطاقة في دول مجلس التعاون إلى نحو 120 مليار دولار خلال السنوات العَشر المقبلة، وأن الطلب على المياه يزداد بمعدل 8 في المائة بسبب زيادة عدد السكان وتنفيذ المشاريع العمرانية والصناعية والزراعية. ورغم ما تبذله دول التعاون للحفاظ على ترشيد استهلاك المياه وتوفيرها، ومنها مشروع الربط المائي فيما بين هذه الدولة - الذي أُعلن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004، وجرى تدشينه في ديسمبر (كانون الأول) عام 2009 - كخيار استراتيجي لمواجهة الطوارئ في نقص المياه، فإن خطر شح المياه ما زال قائما.
وتحتل دول التعاون المرتبة الأولى في إنتاج مياه البحر المُحلاة. حيث يصل الإنتاج اليومي إلى نحو 12 مليون متر مكعب. كما يوجد في هذه الدول نحو 60 في المائة من مشاريع التحلية في العالم، ومع ذلك يوصي الخبراء بضرورة وجود استراتيجية موحدة للتعامل مع قضية المياه، وإشراك القطاع الخاص في العملية، لأن تعامل القطاع الخاص يُقلل من تكاليف توفير المياه بمعدل 84 في المائة، كون هذا القطاع يسعى إلى الربح مع زيادة الكفاءة والجودة. وتشير المصادر إلى أن الطلب على المياه في دول المجلس قد زاد من 6 مليارات متر مكعب عام 1980 إلى أكثر من 26 مليار متر مكعب عام 2010. وهذا ما أنذرَ بوجود عجز يصل إلى 20 مليار متر مكعب تمت تغطيته من سحب المياه الجوفية والتوسع في بناء محطات التحلية. وحسب المصدر، فإن استهلاك الفرد في الخليج من المياه يبلغ 1036 مترا مكعبا سنويا، وإذا ما استمر هذا المعدل، فإن دول الخليج بحاجة إلى نحو 49 مليار متر مكعب من المياه سنويا بحلول عام 2025!.. ناهيك عن زيادة عدد السكان في هذه الدول - بحكم الهجرة المتفاقمة - من نحو 30 مليون نسمة عام 2001 إلى ما يزيد على 56 مليون نسمة عام 2025. وهذا يشكل عبئا إضافيا على ما يتوفر لدى شبكات المياه (موقع: «أزمكة الموارد»، حسن العالي، 2011/5/15).
نحن نعتقد أن الأسلوب الأمثل لمواجهة ما قد يتسبب في أزمة مياه في دول التعاون في المستقبل هو تنظيم حملات إعلامية لتقنين استهلاك المياه، وزيادة رقابة الجهات المختصة لكل أشكال الهدر، ودون مجاملة أو تفرقة بين المواطنين. لأن نمط الحياة الاستهلاكي، وتدني سعر المياه - مقارنة بالدول الصناعية - يدفع المستهلكين إلى مزيد من الهدر، خصوصا إذا كانت جهة العمل تتكفل بتوفير المياه والكهرباء مجانا. إن إقامة المزيد من محطات التحلية وكذلك مشروع الربط الخليجي للمياه من الأمور الإيجابية التي قامت بها الدول، ولكن يجب أن تصاحب ذلك توعية مجتمعية لأهمية المياه وضرورة المحافظة عليها، وهذا يتطلب ترسيخ ثقافة جديدة تبدأ من مراقبة الوالدين لأفراد الأسرة والشغالات، ويتطلب أيضا مساهمة الإعلام، والمدارس والجامعات، والمساجد ومنظمات المجتمع المدني، وتحميل كل أفراد المجتمع مسؤولية الحفاظ على نعمة المياه.
8:49 دقيقه
TT
هاجسُ هَدْر المياهِ في دول التعاون
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة