جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

ليبيا: لعبٌ في الوقت الضائع

تأجل انعقاد أول انتخابات رئاسية ليبية، كان مقرراً عقدها يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) الأول 2021. كل المؤشرات كانت تؤكد على ذلك، وتقود مباشرة إلى هذه النهاية. ردود الأفعال، كما هو متوقع، تباينت قبولاً ورفضاً. واختلف المعلقون في تحليلاتهم عن المسار الذي قد تنحو نحوه الأحداث في البلاد، خلال الفترة القادمة. الهيئة الوطنية العليا للانتخابات أعلنت، بعد مماطلة، التأجيل. واختارت يوم 24 يناير (كانون الثاني) 2022 موعداً بديلاً. وحتى كتابة هذه السطور، لم تقم بإصدار قائمة نهائية بالمترشحين المؤهلين للتنافس في الانتخابات. وليس أمام 2.8 مليون ناخب ليبي سوى الانتظار. اللعب في الوقت الضائع سمة بارزة من سمات السياسة الليبية منذ العام 2011.
التأجيل، وإن أصاب عديدين بإحباط وبخيبة أمل، إلا أنه – في ظل ما توفر من ظروف وملابسات - يظل الأنسب مقارنة بغيره، مما توفر من خيارات أخرى سيئة. وفشل المفوضية في مهامها، كانت كل المؤشرات تؤكد عليه منذ أسابيع مضت. الفشل، أيضاً، يطال حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة السيد عبد الحميد الدبيبة، التي جاءت إلى السلطة لتنفيذ مهام محددة، وفي مقدمتها الاستحقاق الانتخابي. وبدا أن لقاءات السيدة ستيفاني ويليامز مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة ورحلاتها بين مختلف المدن الليبية، على أمل تدارك الوضع، والتخلص من المطبات، لم تنجح في مساعيها. وما زال قائماً من دون إجابة السؤال حول القاعدة القانونية والدستورية للانتخابات. والضبابية التي أحاطت بمصير الاستحقاق الانتخابي إلى اللحظة الأخيرة، ليست استثنائية، بل سمة أخرى في المشهد الليبي، نتيجة لغياب الشفافية، وتعدد المصالح المتنافسة.
الذين منا حظوا ولو بمعرفة يسيرة بالساحة الليبية، عرفوا رمالها المتحركة وخطورة السير في أوحالها. وليس من المجازفة القول بأن الموعد المضروب في يناير القادم قد يتعرض للإلغاء، ومن دون إبداء أسباب.
إشكالية تأجيل الانتخابات الرئاسية تفضي مباشرة إلى إشكالية أخرى، تتعلق بحكومة السيد عبد الحميد الدبيبة الحالية. إذ المعروف أن الحكومة اختيرت لتقود البلاد نحو تنفيذ الاستحقاق الانتخابي. على أن تنتهي مدتها يوم 24 ديسمبر الحالي. الحكومة أخفقت في تنفيذ ما وعدت به. ومن غير المعروف استمرارها من عدمه في إدارة البلاد. ويبدو، مما ظهر من مؤشرات، عدم توفر نية لدى رئيسها وأعضائها في تسليم السلطة، بحجة أنه لم يتم تسمية بديل. وهذا بدوره سيدخل ليبيا في دوامة أخرى تضاف إلى ما قبلها، وتزيد في حدة التوتر بين مختلف الأطراف المتنازعة. وعلى سبيل المثال، كان السيد فتحي باشاغا، وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق، وأحد أبرز المرشحين للرئاسة، أعلى المطالبين صوتاً، بضرورة التزام الحكومة بالموعد المضروب والمتفق عليه، والخروج من المسرح. ولذلك الغرض، تخطي كل ما كان يعرف من خطوط حمراء، صممت لعزل المشير خليفة حفتر سياسياً، وقام صحبة السيد أحمد معيتيق نائب رئيس المجلس الرئاسي السابق، وعدد آخر من المرشحين للرئاسة بزيارة إلى مدينة بنغازي، حيث اجتمعوا بالمشير حفتر، في خطوة عدها البعض انتحارية سياسياً، وأثارت ردود أفعال حادة، خاصةً في مدينة مصراتة. لا أحد يعلم بما دار في اجتماع بنغازي. والبيان الصحافي الذي قرأه السيد باشاغا، عقب نهاية الاجتماع، وبحضور المرشحين الآخرين كان مقتضباً وغائماً بعموميات. إلا أن الهمس المتسرب من وراء الكواليس في اجتماع بنغازي يشير إلى أن الهدف من الاجتماع هو تأسيس مجلس رئاسي وحكومة جديدين، بمحاصصة من الأقاليم الثلاثة، تتولى قيادة البلاد لفترة انتقالية محددة، يتم خلالها ملء الفراغ السياسي، وإجراء انتخابات رئاسية ونيابية. ومن الممكن أن يكون ذلك صحيحاً، آخذين في الاعتبار التحذيرات الصادرة، طوال المدة الماضية، من السيد باشاغا إلى رئيس الحكومة بضرورة تنفيذ ما ورد في الاتفاق السياسي حرفياً.
المشكلة أن قادة الجماعات المسلحة، في العاصمة طرابلس، يلقون بثقلهم في كفة رئيس الحكومة الحالي. ويعارضون أي بديل آخر يكون من ضمنه السيد باشاغا. في الأسبوع الماضي، قام أولئك القادة بنشر قواتهم في شوارع العاصمة. وطالبوا المجلس الرئاسي بإيقاف تنفيذ قراره القاضي باستبعاد آمر منطقة طرابلس العسكرية وإحلال آخر مكانه. ولم يرجعوا إلى قواعدهم إلا بعد قيام رئيس المجلس بتجميد القرار.
العملية السياسية، منذ البداية، تجاهلت مشاركة قادة الجماعات المسلحة. وبدورهم التزموا الصمت، واكتفوا بمراقبة الموقف. لكن ظهورهم مؤخراً، وإجبارهم رئيس المجلس الرئاسي على تجميد قراره، يؤكد أنهم الطرف الأقوى في المعادلة. وأن أي حلول، لن تكتسب مصداقية من دونهم. كما أن نجاحها من عدمه يتوقف على موافقتهم. الأمر ليس سهلاً، ويتوقف إلى حد كبير على الكيفية التي ستتموضع بها، خلال الأيام القادمة، مواقف الدول الخارجية المتورطة في الصراع الليبي. وما لم تتمكن تلك الدول من الوصول إلى وفاق واتفاق فيما بينها، بما يحمي مصالحها ومصالح عملائها المحليين، ستبقى الأزمة الليبية تراوح في نفس المربع.