جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

ليبيا: أزمة الانتخابات ومحنة المستشارة

السيدة ستيفاني ويليامز تستعد، هذه الأيام والتي تليها، للظهور ثانية على خشبة المسرح الليبي، وتسلم زمام المبادرة مجدداً، بعد غيبة قصيرة. هذه المرة، سيكون حضورها مختلفاً نسبياً، في صفتها الرسمية. وبدلاً من كونها سابقاً نائبة لمبعوث الأمين العام، ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، سوف تصل طرابلس بصفتها الجديدة وهي مستشار خاص بالأمين العام.
الهدف من تعيين السيدة ويليامز، بشكل مفاجئ، وعلى وجه السرعة، كان لملء الفراغ الأممي، الذي تركه، على عجل، غياب السيد يان كوبيش المبعوث السابق، عقب صدور قرار بإنهاء مهامه، وفي ظروف تفتقد الوضوح، وتقترب، في رأي المعلقين، من الإبعاد التعسفي، في وقت تمر به الأزمة الليبية من خرم إبرة، وعلى بعد مسافة قصيرة جداً من إجراء أول انتخابات رئاسية، من المقرر عقدها يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) الجاري.
صحيفة الوسط الليبية، التي تصدر في القاهرة، وممنوعة من التوزيع والتداول في ليبيا، شبهت في عددها الأخير، عودة السيدة ويليامز إلى ليبيا بـ«عملية إنزال خلف الخطوط الروسية في جبهة مجلس الأمن خطط لها غوتيريس». وكانت روسيا قد رفضت مقترحاً بتعيين مبعوث أميركي أو بريطاني ليحل محل السيد يان كوبيش. وعدم وجود مبعوث لتمثيل الأمين العام للأمم المتحدة، في هذه المرحلة الحرجة تحديداً، سوف يخلق فراغا أممياً؛ لذلك، ظهر الأمين العام السيد غوتيريس بفكرة إرسال مستشار خاص لتمثيله ولسد الفراغ. وبالطبع لم يجد أفضل من السيدة ويليامز، مهندسة عملية وقف إطلاق النار في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، ومصممة الحوار السياسي المعروف، الذي أفضى إلى وجود مجلس رئاسي جديد، وحكومة وحدة وطنية، وخلق حالة من الممكن أن توصف بأنها لا سلام ولا حرب.
ردود فعل الأطراف الليبية والخارجية المتورطة في الصراع لعودتها كانت متفاوتة. العديدون من قادة تلك الأطراف، وخصوصاً قادة الجماعات المسلحة، ومن يقف وراءهم فوجئوا منزعجين بقرار الأمين العام، لكن من جهة أخرى، تغير مزاجهم حين علموا أن وجودها في الساحة بصفة مستشارة، يعني أنها ستتواجد من دون أظافر أو أسنان، وبالتالي يظل وجودها كعدمه، ومقتصراً على تقديم الاستشارة لا غير. آخرون، وهم قلة، استبشروا بالعودة، واعتبروا أن قوة شخصيتها، وغزارة معرفتها بالساحة الليبية وبمنعطفاتها، ومعرفتها الشخصية المفصلة باللاعبين على اختلافهم، توطد من مكانة الأمم المتحدة في الساحة، وتؤكد دورها في البحث عن مخرج آمن لليبيا من النفق الذي دُفعت نحوه منذ أعوام، وحُبست داخله.
السيدة ويليامز، لدى وصولها إلى العاصمة طرابلس هذه الأيام، سوف تجد وضعاً ملتهباً في انتظارها، وستكتشف سريعاً أن الطرق التي عُبّدتْ، خلال الفترة الزمنية الماضية، لتقود إلى عقد انتخابات، تعرضت للإغلاق سريعاً، واحدة إثر أخرى. وعلى سبيل المثال، صدور فتوى دينية، صادرة عن مفتي ليبيا السابق الصادق الغرياني، تؤكد على تحريم المشاركة في الانتخابات. وسوف تكتشف، أيضاً، أن مقر ومكاتب المفوضية العليا للانتخابات قد تعرضت للاقتحام والاستيلاء، من قبل مجموعات تمثل الأطراف الرافضة لإجراء الانتخابات، وعلى رأسهم الفريق الذي رفض تسليم السلطة في عام 2014، عقب الانتخابات البرلمانية، وقاد ما صار يعرف في الأدبيات الليبية بعملية (فجر ليبيا) وهي الحرب إلى أدت إلى تدهور الوضع بشكل غير مسبوق. كما أنها ستواجه بمعارضة من الأطراف الخارجية الداعمة لبقاء الوضع الحالي على ما هو عليه. وبدأت في الآونة الأخيرة، من وراء الكواليس، تعقد اجتماعات خارج البلاد، بين مختلف الأطراف المحلية والخارجية، بغرض وأد الانتخابات وبما يضمن تقاسم السلطة والثروة بين أطراف معروفة، وبشكل يصير معه عقد الانتخابات أمراً خارج دوائر الإمكان.
التقارير الإعلامية الدولية تتحدث عن مخاوف أميركية من تأجيل الانتخابات، وتشير إلى أن حسابات واشنطن ولندن وروما بشكل خاص، قائمة على ضرورة إجرائها، خوفاً مما سيؤدي إليه تأجيلها من عواقب غير محمودة. لكن تلك الحسابات تتعارض بشكل واضح مع حسابات دول أخرى، متورطة في الصراع الليبي، ومتحالفة مع القوى المحلية المسيطرة على الوضع، من سياسيين وبرلمانيين وعسكريين.
تلك الاختلافات في الحسابات، لن يكون من السهل تجاوزها، أو غض النظر عنها، بوضعها جانباً، آخذين في الاعتبار، أن هناك تصميماً من قادة الأطراف المحلية على وضع كل العراقيل أمام إجراء الانتخابات، لأن عقدها يعني، ضمن أشياء أخرى، خروجهم من اللعبة نهائياً، واختفاءهم من المسرح.
بعد صدور قرار الأمين العام بتعيينها مستشارة خاصة له في ليبيا، نشرت السيد ويليامز على مواقع التواصل تغريدة تشكره فيها، وتعبر عن سعادتها بالعودة إلى ليبيا، وأملها في الإسهام، حسب قولها، في توطيد سبل الاستقرار وتعزيز السلم والتقدم نحو غد مشرق. ويقيناً، يشاركها الكثير من الليبيين رغبتها، ويتمنون لها التوفيق في مهامها، ولا يخفون خوفهم، كذلك، مما قد تواجه من مصاعب، ولعلمهم أن تكاثر الحيتان، جعل السباحة، هذه الأيام، في مياه البحر الليبي، محفوفة بالمخاطر.