لحظة تعاطف ورجاء لأجل الرئيس جوزيف بايدن. قبل خمسة أشهر، عندما أعلن الرئيس بايدن النصر على وباء «كورونا» في خطاب كبير بتاريخ الرابع من يوليو (تموز)، بدا من الممكن أن نوعاً من النصر بات وشيكاً: ليس القضاء على الفيروس تماماً، وإنما وجود عالم يسفر فيه ارتفاع معدلات التطعيم والمناعة الموجودة مسبقاً عن انخفاض قريب يتحول فيه الفيروس إلى مجرد مرض ليس أسوأ بكثير من الإنفلونزا الموسمية.
لم يحدث ذلك بعد، لكنه كان أملاً معقولاً، بالنظر إلى الوقائع كما كانت تبدو آنذاك. وبعض القوى التي أجلت الانتصار المأمول هي ببساطة خارج سيطرة أي رئيس.
وأهم هذه القوى هي قدرة الفيروس على التكيف، وهو ما يتجلى في مختلف تغيراته وتحوراته، مثالاً بـ«دلتا» ثم «أوميكرون»، وكذلك في الطريقة التي استمرت بها قوة الوباء المسببة للوفاة، رغم كل الأسلحة التي لدينا ضده الآن. وكما ذكر مؤخراً ديفيد والاس ويلز في مجلة نيويورك، من الناحية النظرية، فإن المعدلات الحالية للتطعيم، وخاصة بين كبار السن، «يجب أن تعني أن نسبة كبيرة من إجمالي مخاطر الوفيات في البلاد قد تم القضاء عليها». ولكن بدلاً من ذلك، يواصل الفيروس البحث عن طريقة للوصول إلى شبكات جديدة من غير المحميين، مما يسفر عن سقوط الناس أثناء تنقله.
كما أن القوى التي أبقت على معدلات التطعيم أقل مما ينبغي هي أيضاً خارج سيطرة الرئيس. بايدن لا يستطيع بطريقة سحرية القضاء على انعدام الثقة العام، والعزوف الجماعي، وشكوك الارتياب في مجتمعنا. كما لا يستطيع محو مزيج من التهكم والمصارحة (المصارحة القاتلة، في بعض الأحيان) التي انغمس فيها العديد من الساسة المحافظين والشخصيات الإعلامية عبر المشاعر المناهضة لتلقي اللقاحات.
لكن من الممكن توسيع نطاق التعاطف ليشمل بايدن مع تحميله المسؤولية عما يمكنه التحكم فيه أو التأثير عليه. أولاً، تحدياته ليست فريدة من نوعها: لقد تعين على العالم أجمع أن يتعامل مع عدم إمكانية التنبؤ بالفيروس، والولايات المتحدة ليست الدولة الغنية الوحيدة التي لديها الكثير من الشكوك بشأن اللقاحات. وإذا كان البيت الأبيض الراهن ضحية للأحداث، فقد ساهم أيضاً في بقائه أسيراً لمجرياتها، متخذاً نهجاً سلبياً إلى حد ما إزاء الوباء المتغير.
وأكثر الأمثلة وضوحاً على هذه السلبية هي الجرعات المعززة والاختبارات المنزلية. كان من المفترض أن تبدأ حملة كبيرة لدعم اللقاح بمجرد توفر الدليل معقول على تراجع فعالية اللقاح - أي في أواخر الصيف أو أوائل الخريف. بدلاً من ذلك، تعهد بايدن بتوفير الجرعات المعززة غير أن بيروقراطية الصحة العامة قاومت ذلك، وكانت أمامنا فترة من التوفر الجزئي والرسائل المختلطة التي أتاحت المجال للتوصية العامة فقط في عيد الشكر. ونتيجة لذلك، فإن الولايات المتحدة تقف وراء بلدان مثل بريطانيا، ليس بسبب ترهات «فوكس نيوز» أو ترددات اللقاح، وإنما لأن السلطة التنفيذية خسرت شهوراً بسبب الخلاف الداخلي.
ومن ناحية أخرى، كانت الاختبارات المنزلية السريعة بمثابة كارثة طويلة الأمد، حيث تأخرت الولايات المتحدة كثيراً من الدول الأوروبية في جعل هذه الاختبارات متاحة ورخيصة، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى نفس النوع من الحذر البيروقراطي المفرط الذي أدى إلى تأخير توفير الجرعات المعززة. وبعد مرور ما يقرب من عام على توليه الرئاسة، يخطط البيت الأبيض الآن لتوسيع فرص الوصول إلى هذه الاختبارات من خلال جعل شركات التأمين تسدد تكاليفها - مما يضيف طبقة من المتاعب البيروقراطية على المستهلكين، بدلاً من مجرد إنفاق المزيد من المال مباشرة لجعلها كلها مجانية.
ثم وبجانب هذه الإخفاقات الواضحة، كان هناك شُح واضح وواسع في العمل والتصور. على سبيل المثال، بمجرد ظهور المتحور دلتا بشكل جدي، لم تكن هناك محاولة لعمل شيء جوهري وحقيقي للوصول إلى غير المطعمين. (كان دفع مكافآت ضخمة لتلقي اللقاح بمثابة الفكرة الجامحة التي طرحناها أنا وآخرون في ذلك الوقت). بدلاً من ذلك، عادت إلى التخفي والسرعة الكاملة في مهمة التطعيم الفيدرالي التي جرى التقاضي بشأنها منذ ذلك الحين، حيث كان المسرح الأول المريب لمرض «كوفيد» في الولايات الزرقاء التي تم تطعيمها بشكل كبير، وكانت المساعي الأخيرة التي زادت من ترسيخ حرب «كورونا» الثقافية.
وبالمثل، لم تظهر الإدارة كل هذا القدر من الإبداع أو الإلحاح حول توزيع والموافقة على العلاجات العلاجية - سواء التي لدينا، الأجسام المضادة أحادية النسيلة بصفة خاصة، والتي قد نحصل عليها قريباً، مثل حبة «باكسلوفيد» الواعدة من «فايزر». ومع اقتراب فصل الشتاء يعد البيت الأبيض بإنشاء «الفرق الضاربة» (على غرار التي نشرها رون ديسانتيس في فلوريدا خلال فصل الصيف) للمساعدة في علاج الأجسام المضادة. لكن وسط موجة الصيف، لم تستخدم المستشفيات الأميركية في كافة أنحاء البلاد سوى نحو نصف مخزون الأجسام المضادة أحادية النسيلة الموزعة عليها، وهو فشل في تنظيم الصحة العامة، الذي لو حدث في ظل حكم ترمب لكانت وضعت تحت أقدام إدارته على الفور.
وهنا تجدر الإشارة إلى التباين: لقد كان خطاب ترمب خلال الجائحة بمثابة كارثة تامة، وارتكب البيت الأبيض كل الأخطاء، لكن فريق ترمب نفذ بعض الأمور الكبيرة خارج منطقة الراحة الجمهورية المعتادة - «حزمة الإنقاذ الاقتصادي» (وقبل كل شيء) عملية «وارب سبيد - السرعة القصوى». ومع أن الوباء أخفق في التراجع كما كان متوقعاً، كان فريق بايدن أكثر حذراً وتوقعاً وبطئاً.
في وقت مبكر، أثارت أجندة إنفاق البيت الأبيض الراهنة المقارنات مع ليبرالية الصفقة الجديدة. والآن تحتاج أجندة الصحة العامة إلى المزيد من «التجريب الجريء والمستمر». وإلا، بالنسبة للثوابت السياسية للديمقراطيين ولحياة آلاف الأميركيين الآخرين على حد سواء، فإن فترة ما بعد الوباء قد يتأخر وصولها كثيراً.
* خدمة «نيويورك تايمز»
TT
البيت الأبيض و«فرقه الضاربة»
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة