سبنسر بوكات ليندل
TT

«أوميكرون» لغز... فما سبيل الاستعداد له؟

مقابل كل اسم بالأحرف اليونانية لفيروس كورونا المستجد يغير مسار الجائحة، مثل المتحور «دلتا»، ثمة متحور آخر يدخل دائرة الغموض الوبائي. ومع ذلك، جاء رد فعل العلماء وقادة العالم أسرع على نحو لافت إزاء المحتور الأحدث، «أوميكرون»، عن أي متحور آخر، فبعد يومين من إعلان جنوب أفريقيا عن المتحور الجديد، الأسبوع الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية «أوميكرون» متحوراً «مثيراً للقلق»، أخطر توصيف تستخدمه المنظمة في هذا السياق. وأعلنت الاثنين الماضي أن المتحور الجديد يشكل خطراً «كبيراً للغاية» على الصحة العامة.
والتساؤل هنا: لماذا يثير المتحور «أوميكرون» مثل هذا القلق البالغ، وما السبيل الأمثل للاستجابة له من جانب الحكومات والجمهور العام؟ وفيما يلي سنعرض ما يقوله الناس في هذا الشأن.
مثلما أوضح كاي كوبفيرشميت في تصريحات لدورية «ساينس»، فإن اكتشاف المتحور «أوميكرون» جاء في خضم محاولات باحثين من جنوب أفريقيا تحديد أسباب ارتفاع أعداد الإصابات في الفترة الأخيرة هناك. ولاحظ أحد المختبرات، أنه في العديد من العينات، أخفق اختبار «بي سي آر» رصد جين يشفر البروتين الشائك الذي يستخدمه فيروس كورونا المستجد في الارتباط بالخلايا البشرية. واتضح في وقت لاحق، أن هذا الجين المستهدف متحور بشدة لدرجة أن الاختبارات تفشل في رصده.
وقد سبق وأن حدث هذا الأمر مع المتحور «ألفا»، لكن اللافت أن المتحور «أوميكرون» يضم طفرات أكثر بكثير عن أي من المتحورات السابقة ـ نحو 50 طفرة لما يسبق لنا أن شاهدناها جميعاً مع بعضها بعضاً من قبل، بما في ذلك أكثر عن 30 طفرة على بروتين سبايك.
من جهته، أكد توليو دي أوليفيرا، مدير منصة «كوازولو – ناتال» للبحث والابتكار بجنوب أفريقيا، أن «هذا المتحور أثار دهشتنا بالفعل، فقد شكّل قفزة ضخمة في مسار التطور، ويحوي طفرات أكثر بكثير عما توقعنا، خاصة بعد الموجة الثالثة شديدة الحدة من (دلتا)».
وتوقع الكثير من العلماء بأن هذا المتحور شديد التحور ربما حلَّ في شخص يتسم بنقص المناعة ربما شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية ولم يتلق علاجاً. في هذا الصدد، كتب كارل زيمر في «نيويورك تايمز»، «بدلاً عن التخلص منه في غضون أيام، ربما يكون الفيروس قد ظل في هذا الشخص على مدار أشهر، ما وفر له الوقت الكافي كي يكتسب القدرة على الالتفاف على الأجسام المضادة».
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى يعتبر المتحور «أوميكرون» مثيراً للقلق. وبينما يمكن أن تعمل الطفرات جميعها معاً لجعل الفيروس أشد خطورة، فإنها في الوقت ذاته ربما تجعله أقل خطورة. في هذا السياق، كتب الدكتور أشيش جها، عميد كلية الصحة العامة بجامعة براون في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن هناك ثلاثة أسئلة أساسية يتعين على العلماء الإجابة عنها:
- هل يسبب «أوميكرون» مرضاً أكثر خطورة؟ حتى الآن، لا يوجد دليل على ذلك، بل واقترح بعض العلماء رأياً معاكساً تماماً. على سبيل المثال، قال باري شوب، عالم الفيروسات من جنوب أفريقيا الذي يقدم المشورة للحكومة هناك، إن حالات الإصابة بـ«أوميكرون» تميل إلى أن تكون «خفيفة إلى معتدلة». ومع ذلك، ينبغي التنويه هنا إلى أن معظم حالات الإصابة بجميع المتغيرات الأخرى خفيفة إلى معتدلة. وأضاف شوب «اسمحوا لي أن أؤكد أن هذه لا تزال الأيام الأولى».
هل هو أكثر قابلية للانتقال؟ على هذا الصعيد، أوضح جها، أن البيانات الأولية الصادرة عن جنوب أفريقيا لا تبدو مشجعة؛ ذلك أنها تشير إلى أن المتحور «أوميكرون» ربما ينتشر بسهولة أكبر عن «دلتا». وفي تصريحات لـ«ساينس»، قالت إيريس كاتزوراكيس، العالمة المتخصصة بمجال الأحياء التطورية بجامعة أوكسفورد «إذا كنا نبحث عن الطفرات التي تؤثر بالفعل على قابلية الانتقال، فقد حدثت جميعها هنا بالفعل».
هل بمقدوره الالتفاف على جهاز المناعة؟ تعتبر قابلية الانتقال الأعلى عن «دلتا» أحد التفسيرات المحتملة لتفشي «أوميكرون» السريع داخل جنوب أفريقيا. ومع ذلك، يبقى تفسير آخر - تفسير لا يقصي بالضرورة التفسير السابق - وهو أنه أفضل عن «دلتا» في تفادي بعض الأجسام المضادة.
وأعرب جها عن اعتقاده بأن هذا مصدر قلق حقيقي، موضحاً أنه «من غير المحتمل للغاية أن يقضي (أوميكرون) تماماً على فاعلية اللقاحات المضادة لـ(كوفيد - 19)».
أما زيمر، فأوضح أنه في حين أن الطفرات البروتينية المرتفعة يمكن أن تعطي متحوراً ما القدرة على تفادي الأجسام المضادة بشكل أفضل، بما في ذلك علاجات الأجسام المضادة أحادية النسيلة، ومع ذلك فإنها لا تخفف من استجابة الخلايا المناعية الأوسع نطاقاً التي تستهدف الخلايا المصابة وتقي من الأمراض الشديدة.
ما القادم: بدأ العلماء في جنوب أفريقيا اختبار لقاحات فيروس كورونا ضد المتحور الجديد في غضون ساعات من اكتشافه، وحذت عشرات الفرق الطبية حذوهم، ويتوقعون الحصول على صورة أوضح لمخاطر هذا المتحور الجديد الوبائية في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع.
من ناحيتها، وأوضحت ألكسندرا فيلان، أستاذة سياسة الصحة العالمية في جامعة جورج تاون، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن الجائحة أجبرت الخبراء على إعادة النظر في شكوكهم بشأن إغلاق الحدود كإجراء فعال للصحة العامة.
ومع ذلك، يرى العديد من الخبراء، أن بعض عمليات إغلاق الحدود الحالية لن تكون فعالة من تلقاء نفسها. على سبيل المثال، فإن الحظر الذي أعلنه الرئيس بايدن، الأسبوع الماضي، ينطبق فقط على المسافرين من دول عدة في جنوب أفريقيا، رغم اكتشاف حالات إصابة كذلك في كندا وبلجيكا وبريطانيا وأستراليا. ولا يعرف العلماء حتى من أين نشأ المتحور الجديد، وقد قال البعض إنه قد يكون موجوداً بالفعل داخل الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، فإن الحظر يستثني المواطنين الأميركيين والمقيمين الدائمين، أمر ربما تبرره ضرورة سياسية، لكن لا معنى له من الناحية الوبائية إن لم يكن على الأقل مقترنا بمتطلبات الحجر الصحي الصارمة والمراقبة الجينية.
* خدمة «نيويورك تايمز»