د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

هل تمنع المصالح الاقتصادية بين أميركا والصين النزاع المسلح بينهما؟

ركز جوزيف ناي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد ومسؤول سابق في وزارة الدفاع الأميركية وصاحب مصطلح «القوة الناعمة»، على أنه يتعين على أميركا تعزيز مزاياها التكنولوجية وزيادة الدعم لمشاريع البحث والتطوير وهيكلة القوى التقليدية لدمج التكنولوجيات الجديدة. جاء تأكيده هذا في إطار «منافسة تعاونية» مع الصين التي تتطلب صياغة استراتيجية قادرة على تحقيق الأمرين المتناقضين؛ التنافس والتعاون في إطار «المنافسة الشاملة»، بدلاً من الحرب الباردة في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية والابتكار وغيرها، مع التركيز على الاحتواء في العلاقة بين القطبين أميركا والصين.
فعلى المستوى الاقتصادي، هناك قوى دولية تتنافس؛ أميركا والصين واليابان والاتحاد الأوروبي وروسيا وبريطانيا في مجالات التجارة والاستثمار والتغير المناخي والابتكار وحقوق الملكية الفكرية والمياه، وفي هذا السياق لا يمكن لأي دولة وحدها أن تعالج وتتعامل مع هذه الملفات بصيغة تعاون بعيداً عن الحروب أو التلميح بها، لأنها تمثل مستقبل العالم كله وليس أميركا والصين وحدهما، ومن هذا المنطلق أرى أن المصالح الاقتصادية بين الصين وأميركا وحجم التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة بينهما، كلها عوامل تلعب دوراً كبيراً في عدم الانزلاق إلى النزاع المسلح بالمعنى الواسع بينهما في العقدين المقبلين على أقل تقدير، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن الدين العام في أميركا (الدين الداخلي والخارجي) بلغ أكثر من 2 تريليون دولار، هذا من جانب، ومن ناحية أخرى، إن الصين من الدول النامية، إذ يبلغ حجم سكانها أكثر من مليار وثلاثمائة مليون إنسان، إذ هناك أكثر من ثلاثمائة مليون إنسان في خط الفقر أو تحته، والصين تسعى إلى رفع مستواهم المعيشي ليكون في مستوى بقية الشعب الصيني، وهذا يجعلهم يسعون إلى التنمية بدلاً من التصادم، وهذا بجانب ما تتمتع به كل من أميركا والصين من القوة الناعمة التي تمنع سعيهما إلى الحرب أو النزاع المسلح.
وفي سياق آخر مهم، ارتفع حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة في عام 2020 بنسبة 8.3 في المائة إلى 586.72 مليار دولار، بالمقارنة مع الفترة نفسها من عام 2019. في خضم هذا المستوى الكبير من التبادل التجاري، توترت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين لأسباب عدة؛ أبرزها تناقضات تجارية، والوضع في هونغ كونغ وتايوان، والوضع المتعلق بحقوق الأقليات القومية في الصين، وتفشي وباء فيروس «كوفيد – 19»، والتغير المناخي، وموقف الصين من المشاركة في مفاوضات الحد من التسلح... إذ في كل هذه القضايا، هناك نقاط خلاف وتوافق بين الصين وأميركا.
أعلن مركز «سيبر» البريطاني للاقتصاد وأبحاث الأعمال، في خضم المنافسة الشرسة بين القطبين، دراسة جديدة توضح أن الصين ستتفوق على الولايات المتحدة لتصبح أكبر اقتصاد بالعالم بحلول عام 2028.
وبحسب الدراسة، فإن الصين ستتربع على عرش أقوى اقتصادات العالم، قبل 5 أعوام مما كان متوقعاً في دراسة العام الماضي للمركز. وأوضحت الدراسة أن تفشي فيروس كورونا وتأثيره على الاقتصاد العالمي كان لصالح الصين، كما أن الأزمة ستجعل من الصين الاقتصاد الرئيسي الذي سيتوسع العام المقبل. وتوقعت الدراسة أيضاً أن يبلغ متوسط نمو اقتصاد الصين 5.7 في المائة سنوياً بين عامي 2021 و2025، قبل أن يتباطأ إلى 4.5 في المائة سنوياً من 2026 إلى 2030، ثم يتراجع إلى 3.9 في المائة سنوياً بين عامي 2031 – 2035. وبينما من المرجح أن تشهد الولايات المتحدة انتعاشاً اقتصادياً قوياً في عام 2021، فإن من المتوقع أن يتباطأ نمو اقتصادها إلى 1.9 في المائة سنوياً بين 2022 و2024، ثم إلى 1.6 في المائة بعد ذلك، وفقاً لمركز «سيبر».
على المستوى الاقتصادي، فإن الاعتماد المتبادل عميق بين الولايات المتحدة والصين، فمن الحماقة أن يتصور أي فرد أنه قادر على فصل الاقتصاد الأميركي عن الاقتصاد الصيني من دون تكبد التكاليف الباهظة، ولا ينبغي لأحد أن يتوقع من بلدان أخرى أن تفعل الشيء نفسه، لأن الصين أكبر شريك تجاري لعدد من الدول يفوق عدد دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة. ومن الجدير بالإشارة، يتسم توزيع القوة بالتعددية القطبية، حيث تكون الولايات المتحدة والصين وأوروبا واليابان كبرى الجهات الفاعلة في الاقتصاد العالمي، وعلى المستوى الوطني، عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل تغير المناخ والأوبئة، تلعب الجهات الفاعلة غير الحكومية أدواراً قوية ولا توجد دولة واحدة تملك السيطرة المطلقة.
ورغم هذا، فإن الولايات المتحدة لا تنتهج سياسة تجارية كافية للتعامل مع شرق آسيا، وهو ما يترك المجال مفتوحاً للصين. وفيما يتصل بالقضايا العابرة للحدود الوطنية، فإن الولايات المتحدة تجازف بالسماح للعلاقات السيئة مع بكين بتعريض الأهداف المناخية للخطر، علماً بأن الصين هي أكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري، بعد أميركا.
ولعل البعض ينظر إلى حجم السكان ومعدلات النمو الاقتصادي في الصين، ويعتقد أنها ستنتصر، ولكن إذا تعاملت أميركا مع حلفائها على أنهم أصول، فإن القوة العسكرية المجمعة والثروات الاقتصادية لكل من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان سوف تتجاوز كثيراً تلك التي تملكها الصين في هذا القرن، إذ إن الحديث عن الحرب الباردة هو أكثر سلبية من كونه إيجابياً، ولكنه يحتاج أيضاً إلى ضمان توافق استراتيجيته في تعامل أميركا مع الصين. وفي هذا السياق، خرجت القمة الأميركية - الصينية الافتراضية المنعقدة منتصف الشهر الجاري بنتائج ركزت على تهدئة التوترات وتجنب حرب باردة بين البلدين، والتأكيد على أهمية العلاقات بينهما، والتوافق إلى حد ما في إدارة ملف المخاطر الاستراتيجية، دون أن تصدر عن القمة اتفاقات محددة؛ وإنما اتفاق على تحسين التعاون، وظلت نقاط الخلاف قائمة، خصوصاً ما يتعلق بتايوان، وسجل الصين في حقوق الإنسان، وما يتعلق بالعلاقات التجارية، والوجود الصيني في بحر الصين الجنوبي، وملفات الرسوم الجمركية، وحماية حقوق الملكية الفكرية، وسبل زيادة التبادل التجاري والاستثمار بينهما.
عملت أميركا والصين على إمكانية تجنب الانزلاق إلى صراع، حتى مع دخول أميركا في منافسة قوية مع الصين. ويعد هدف عدم المواجهة وتجنب الانزلاق إلى صراع هو الحد الأدنى الذي ترغبان في الوصول إليه، ورغم أن القمة لم تخرج باختراقات في العلاقة بينهما؛ فإنها اتخذت خطوة مهمة نحو إدارة العلاقة بشكل أقل عداء ومنعها من الانزلاق إلى صراع، كما ناقش الرئيسان أهمية منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة، وشددا على أهمية حرية الملاحة والتحليق الآمن من أجل ازدهار منطقة المحيطين.
- مدير إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية
- أستاذ الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد سابقاً