قبل عام، تغير مسار الوباء بفضل اللقاحات الأولى الآمنة والفعالة ضد «كوفيد - 19». واليوم، بعد إعطاء 7.3 مليار جرعة ومنع عدد لا يحصى من الوفيات، بات لدينا بيانات أكثر من أي وقت مضى لتبرير هذا الحماس المبكر والحاجة إلى الاستمرار في النقاشات. بالإضافة إلى تراجع المناعة ورفع القيود، فإن البلدان ذات معدلات التطعيم المنخفضة تتضرر باستمرار وبشدة من موجات جديدة من الفيروس. ونظراً لأن متغير «دلتا» يطل برأسه القبيح على أوروبا مجدداً، فإن القارة تعاني من وباءين مختلفين تماماً، وكلاهما سيحتاج إلى عمل.
تعدّ مشكلات إمدادات اللقاحات جزءاً من الذاكرة البعيدة بالنسبة للكثير من دول العالم الغني. إن تناقص المناعة هو التهديد الأكبر، والبلدان ذات معدلات التطعيم المرتفعة مثل إسبانيا أو الدنمارك - حيث جرى تطعيم ما يقرب من 100 في المائة ممن تزيد أعمارهم على 60 عاماً - تركز على تعزيز الرضا عن النفس باستخدام الحقن المعزز. وحتى الإجراءات المثيرة للجدل، مثل التصاريح الصحية والجرعات الإلزامية للطاقم الطبي أتت بثمارها ورفعت قبولها على الرغم من الاحتجاجات. وذكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن بطاقة «كوفيد» الفرنسية تتطلب جرعات ثالثة لكبار السن.
تتمتع هذه البلدان بأعلى معدلات التطعيم في العالم، وبحسب لون سيمونسن، الأستاذ في جامعة روسكيلد، فإن لديهم «رفاهية» إجراء تعديلات طفيفة، مثل إعادة ارتداء الأقنعة، لتجنب العودة إلى عمليات الإغلاق الشاملة التي شهدها العالم عام 2020.
إذا نظرنا إلى الشرق، فستجد علامات على «جائحة غير الملقحين»، بحسب التعبير الأميركي. معدلات التطعيم في دول أوروبا الشرقية أقل بكثير - وغالباً ما تكون مميتة. فبلغاريا ورومانيا، موطنا لنحو 26 مليون شخص، قاموا بتطعيم 22.6 في المائة فقط و33.7 في المائة من سكان كل منهما على التوالي، وفقاً لبيانات «بلومبرغ»، مع تغطية للمسنين بالدرجة نفسها من السوء. ويعدّ ذلك أقل من متوسط الاتحاد الأوروبي البالغ 67.4 في المائة وأسوأ من الولايات الأميركية الأقل تلقيحاً.
ليس من قبيل المصادفة أن يسجل هذان البلدان عدداً قياسياً من الوفيات اليومية بسبب «كوفيد» لأكثر من 20 لكل مليون شخص؛ فمعدل الوفيات في رومانيا من بين أعلى المعدلات في العالم. ولاتفيا - التي تبلغ نسبة تغطية التطعيم فيها 55.6 في المائة - ليست بعيدة عن الركب؛ فقد تم إغلاقها للسيطرة على تفشيها. وتعدّ فرنسا وألمانيا قريبة من تلك المستويات. وحتى مع ارتفاع الحالات إلى مستوى قياسي في ألمانيا، ظلت الوفيات منخفضة نسبياً.
قارن بين الدنمارك وبلغاريا اللتين يوجد بهما سكان متشابهون إلى حد كبير، ومن الواضح أن «متغير دلتا» قد تسبب في خسائر أكبر لبلغاريا. يبلّغ كلا البلدين عن حالات يومية بآلاف، لكن عدد المرضى في المستشفيات في بلغاريا يبلغ نحو 4000، مقابل بضع مئات في الدنمارك. ومن غير المستغرب أن معدل الوفيات في الدنمارك ليس سوى جزء بسيط من معدل الوفيات في بلغاريا، وينطبق الشيء نفسه على الوفيات الزائدة لجميع الأسباب.
مرة أخرى، العرض ليس هو المشكلة هنا، فأوروبا ترزح تحت وطأة اللكمات، وتقدر شركة البيانات «أيرفينيتي» أن زيادة العرض في المنطقة في عام 2021 للجرعات غير المستخدمة تبلغ 282 مليون جرعة.
التحدي الذي يواجه هذه البلدان هو التردد في تلقي اللقاحات - مدفوعاً بنظريات المؤامرة، والخوف من الآثار الجانبية، وضعف الثقة بالسلطات. وجدت دراسة استقصائية أجريت على أشخاص غير محصنين في ثماني دول أوروبية بين أبريل (نيسان) ويوليو (تموز) أن التردد يتراوح ما بين 5.5 في المائة من السكان البالغين في إسبانيا و50.9 في المائة في بلغاريا.
في رومانيا، حيث شجعت الشخصيات الدينية والمؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي رفض اللقاحات، عرضت الحكومة جرعات غير مرغوب فيها على بلدان أخرى. وقال عقيد روماني لصحيفة «نيويورك تايمز»، إن «الأخبار الكاذبة لها تأثير كبير». لا توجد عصا سحرية لإصلاح انعدام الثقة والشك المنتشر في السلطة في مجتمعات ما بعد الشيوعية.
يجب ألا تستهين أوروبا الغربية بالتحديات التي تواجهها مع ازدحام المدن، وانتعاش السفر الدولي وارتداء القناع. ولا تستطيع البلدان ذات التغطية المتوسطة باللقاح تحمّل ارتفاع عدد الحالات. قد يؤدي السماح بارتفاع معدلات الإصابة بالعدوى إلى اكتظاظ المستشفيات، وفي فرنسا، تعهد ماكرون بالفعل بلاستثمار في المستشفيات وتعيين المزيد من الموظفين مقابل رواتب أفضل.
وبعد شهرين تقريباً من وصف رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين معدلات التطعيم المتباينة بأنها «مثيرة للقلق»، يحتاج صانعو السياسة إلى إعادة التركيز على الفجوة الهائلة التي تنفتح مع أوروبا الشرقية. إنه لأمر مخيف أن نتخيل أنه بعد مرور عام على وصول اللقاحات، فإن أحد أكثر العوامل فاعلية التي تشجع الناس على الوقوف في الطابور للحصول على طلقات هو ارتفاع عدد القتلى في أحيائهم. هذه المعركة لم تنته بعد.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:37 دقيقه
TT
أوروبا تعاني من وباءين مختلفين
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة