ديفيد بروكس
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

الخيال وأهميته العظيمة

اختلف أفلاطون وأرسطو حول الخيال. فبحسب ما أشار الفيلسوف ستيفن أسما والممثل بول جياماتي في مقال في شهر مارس (آذار)، أعطى أفلاطون الانطباع بأن الخيال هو نوع من الرفاهية الخيالية إلى حد ما. فهو يتعامل مع الأوهام والخداع ويشتت انتباهنا عن الواقع وقدرتنا على التفكير فيه بهدوء. ورد أرسطو بأن الخيال هو أحد أسس المعرفة، كل المعرفة.
إحدى مآسي عصرنا هي أن ثقافتنا لم تدرك تماما مدى صحة رأي أرسطو. فمجتمعنا ليس بارعا في تنمية الموهبة التي قد نحتاج إليها أكثر من غيرها. ما هو الخيال؟ حسناً، إحدى طرق النظر إلى الأمر هي أن كل ثانية من اليقظة تقصف دماغك بخليط براق من الألوان والأشكال والحركات. التخيل هو القدرة على تكوين روابط بين جميع أجزاء المعلومات وتجميعها في أنماط ومفاهيم. عندما تسير، على سبيل المثال، داخل مقهى فإنك لا تركز على مجموعة الأسطح والأضواء والزوايا، لكن خيالك يعمل على الفور على دمج كل ذلك ليرى صورة «المقهى» ككل.
أصبح علماء الأعصاب يقدرون مدى التعقيد والذاتية الهائلة لعملية تكوين الصور الذهنية. قد تعتقد أن الإدراك هو عملية «موضوعية» بسيطة لاستيعاب العالم وأن الإدراك عملية معقدة للتفكير فيه. لكن هذا خطأ.
على سبيل المثال، أنت لا ترى المفهوم المجرد لـ«المقهى». فالصورة التي تكونها مغلفة بالمشاعر الشخصية والذكريات والتقييمات. فأنت ترى «مقهى الضواحي الراقي يحاول لكنه يفشل في بعث أجواء المحبّة». وفي هذا المعنى، كتب تشارلز داروين يقول إن الخيال «يوحد الصور والأفكار السابقة وبالتالي يخلق نتائج رائعة».
علاوة على ذلك، يمكن أن يصبح الخيال أكثر ثراء بمرور الوقت. فعندما تذهب إلى عشاء ما مثلاً، فإن صورتك عن شخص معين موجود في الحفل تتضمن ذكريات مناسبات مضت. الرجل الذي رأيته ذات مرة على أنه شخص قوي لا يطاق هو نفسه الذي تراه الآن كشخص محترم يكافح للتغلب على آلامه.
هل يمكنك تحسين خيالك؟ نعم فعلاً. من خلال عدسات معقدة ومتنوعة يمكنك من خلالها رؤية العالم. كتبت الروائية زادي سميث ذات مرة أنها عندما كانت فتاة كانت تتخيل باستمرار كيف سيكون شكلها عندما تكبر في منازل أصدقائها وتعيش حياتهم.
وكتبت في صحيفة «نيويورك ريفيو أوف بوكس»: «نادرا ما دخلت إلى منزل أحد الأصدقاء بدون أن أتساءل عما قد يكون عليه الحال إذا لم أغادره قط. هذا هو ما سيكون عليه الحال عندما تكون بولنديا أو آيرلنديا أو بنغاليا، أن تكون أكثر ثراء أو فقرا، أن تتبع تلك السياسة. كنت أتخيل العالم بمبدأ تكافؤ الفرص أمام الجميع. أردت أن أعرف كيف سيكون الحال عندما أكون في مكان كل شخص. والأهم من كل شيء، كنت أتساءل كيف كنت سأصدق الأشياء التي لم أؤمن بها».
يا لها من طريقة رائعة لإعداد الخيال لنوع المجتمع الذي نعيش فيه جميعا الآن، أن تضع نفسك مكان الآخر، أن تتخيل نفسك مكانه لترى ما يراه.
إن الشخص الذي يغذي خياله بمجموعة كاملة من الأفكار والخبرات لديه القدرة ليس فقط على رؤية الواقع بشكل أكثر ثراء ولكن أيضا - وهو أمر نادر جدا - تخيُل العالم من خلال منظور الآخرين. هذه هي المهارة التي نراها في شكسبير إلى هذه الدرجة الإعجازية - قدرته على الاختفاء في شخصياته والاستيطان في وجهات نظرهم بدون التظاهر بتفسيرها.
الناس المختلفون لديهم أنواع مختلفة من الخيال. يركز بعض الناس بشكل أساسي على أجزاء العالم التي يمكن قياسها كميا. فيمكن أن يكون هذا الشكل المبتذل من التعرف على الأنماط عمليا للغاية، لكن غالبا لا ترى الطريقة التي يغلف بها الناس العالم بالقيم والعواطف والتطلعات، وهو بالضبط ما نريد رؤيته إذا كنا نريد أن ندرك كيف يحكمون على تجربتهم.
كان بليك وآخرون يتطلعون إلى أكثر أشكال الخيال سحرا، والتي كما كتب مارك فيرنون في «أيون» يقول: «يربط الخيال بين الذات والموضوعية، وتدرك الحيوية الداخلية للعالم بالإضافة إلى واجهاته الخارجية المترابطة».
يساعدك الخيال على إدراك الواقع، وتجربة الحقائق الأخرى، والتنبؤ بالمستقبل المحتمل، وتجربة وجهات النظر الأخرى. ومع ذلك، إلى أي مدى تعطي المدارس الأولوية لتنمية هذه القدرة الأساسية؟
* خدمة «نيويورك تايمز»