علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

ضد الإنتاج

تسود في عالمنا العربي ثقافة السهر، ونرددها في أشعارنا وحكاياتنا حتى أصبح السهر لذة يتلذذ بها العربي، فالمحب والعاشق لا ينام الليل يكابد وجده.
ودرج هذا المفهوم حتى أصبح جزءاً من أغانينا ومورثنا الشعبي، فها هي أم كلثوم تشدو بصوت سمعه العالم العربي بأسره من خلال إذاعة «صوت العرب» التي كانت أصوات مذيعيها يجلل في أرجاء العالم العربي، لتنشد ثومة قائلة: وما أطال النوم عمراً... وما قصر في الأعمار طول السهر؛ ليصبح ذلك شعاراً لشبابنا يستشهدون به على مشروعية السهر، وليبحثوا عن ما يؤيد هذا القول، ويطورونه، ليصلوا لأغنية «اللي ما بيسهر... وما بيعشق..... لشوا حياته». وإن كان أهل المزاج يبدلون العشق بالسكر، وفي النهاية كل الطرق تؤدي إلى السهر.
أعتقد جازماً أن أفضل إنجازات الأمة العربية تحققت حينما كانت تنام مبكراً. ولعلهم استمدوا ذلك من شعر أبي الطيب المتنبي، حيث قال: لا يعرف الشوق إلا من يكابده... ولا الصبابة إلا من يعانيها... لا يسهر الليل إلا من به ألم... ولا تحرق النار إلا رجل واطيها؛ فشبه الحب والصبابة بالألم الجاذب للسهر، ولتعرف أيها القارئ الكريم أن أسوأ عصور الأمة عصر المتنبي، فسوريا سبعون دولة ومدينة حلب دولة الحمدانيين الذين يمدح أمراءهم المتنبي.
لذلك فلدي قناعة قوية أن السهر ضد الإنتاج بجميع أنواعه، والسهر ضد تطور الاقتصاد بشكل خاص، فالموظف السهران متردي الإنتاجية، وهو عرضة للفصل من عمله ليصبح متشرداً، وربما وراءه عائلة فتضيع العائلة فتصبح عبئاً على المجتمع. لست ضد المتعة أبداً بل معها بشرط أن تكون في أوقات الإجازات أو في أوقات غير مؤثرة على العمل.
وإذا نظرنا إلى الغرب سنجده ينام مبكراً أيام الأسبوع، ويستمتع بعطلة نهاية الأسبوع بطريقته لذلك إنتاجيتهم عالية، أكتب لكم هذا المقال من بريطانيا، تحديداً من مدينة ساوثهامتون، ومن قبل كنت في أستراليا في مدينة مالبورن والمدينة تنام مبكراً، وقد رأيت ذلك في سيدني وبرزبن، وفي الولايات المتحدة الأميركية زرت معظم ولاياتها والمدن تنام باكراً طبعاً مع استثناءات للعواصم والمدن الكبرى مثل لندن ونيويورك ولوس أنجليس.
متى ينام عالمنا العربي مبكراً لترتفع إنتاجيته، وليطبق المثل اللبناني القائل «نام بكير تصحا بكير... شوف الصحة كيف تصير»، وإذا طبقنا المثل فسنوفر ثمن دواء السكر والضغط، ونضخها في جسد اقتصادنا، ونفرغ دولنا لتطوير اقتصادنا ومحاربة الفقر بدلاً من محاربة المرض. ودمتم.