زهير الحارثي
كاتب وبرلماني سعودي. كان عضواً في مجلس الشورى السعودي، وكان رئيساً للجنة الشؤون الخارجية، وقبلها كان عضواً في مجلس «هيئة حقوق الإنسان السعودية» والناطق الرسمي باسمها. حاصل على درجة الدكتوراه في فلسفة القانون من جامعة كِنت - كانتربري في بريطانيا. وهو حالياً عضو في مجلس أمناء «مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني». عمل في النيابة العامة السعودية إلى أن أصبح رئيساً لدائرة تحقيق وادعاء عام. مارس الكتابة الصحافية منذ نحو 3 عقود.
TT

الناس والكوكب والازدهار

وهذه هي الركائز الثلاث لقمة مجموعة العشرين التي تعقد اليوم في إيطاليا، والهدف كما يقول رئيس الوزراء الإيطالي «من أجل انتعاش اقتصادي أكثر مساواة وإنصافاً لمحاربة الظلم القديم والجديد». كلمة السر تكمن في التعاون بين الأعضاء لمواجهة أزمات كوكب الأرض المتلاحقة. ووفقاً لمعايير مصطلحات أجندة القمة، فإن ذلك يعني فتح ملف تغير المناخ، ودعم التعافي الاقتصادي ومعالجة تداعيات «كوفيد - 19» ومكافحة سوء التغذية في العالم.
هناك خشية وقلق واضحان على الاقتصاد العالمي من مستقبل مجهول، والمطالبات بتدخل مجموعة العشرين لاحتواء تداعيات الوباء؛ كون ذلك من صميم مهامها وهي التي تسعى لعالم أكثر أماناً واستقراراً وعدالة. ومع ذلك، لا يزال العالم يحاول أن يتأقلم ويمتص الضربات المهولة التي تعرض لها من جراء هذا الوباء اقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً والتي وصفته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على أنه أكبر تحد يواجهه العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
نتذكر أنه عندما عقدت القمة الاستثنائية - الافتراضية لقادة مجموعة العشرين العام الماضي برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز؛ لتكثيف الجهود الدولية المبذولة لمكافحة فيروس كورونا وكانت الأزمة في ذروتها، أدركت مجموعة العشرين حجم مسؤوليتها الملقاة على عاتقها بضرورة احتواء هذه الأزمة غير المسبوقة، وهي كما نعلم أزمة صحية عالمية غير مسبوقة تطلبت استجابة عالمية. وتعد السعودية أول رئاسة لمجموعة العشرين تقوم بعقد قمتين للقادة خلال سنة رئاستها.
اتفق قادة مجموعة العشرين في اجتماعهم الاستثنائي آنذاك على ضخ 5 تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي، «كجزء من السياسات المالية والتدابير الاقتصادية وخطط الضمان المستهدفة لمواجهة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والمالية لجائحة كورونا». وبالفعل تمت المساهمة بأكثر من 21 مليار دولار لدعم الأنظمة الصحية، وكذلك أكثر من 14 مليار دولار لتخفيف ديون الدول النامية، وكذلك ضخ 12 تريليون دولار بشكل غير مسبوق لحماية الاقتصاد العالمي.
الدور السعودي في مجموعة العشرين ملموس في قمة روما التي تعقد اليوم من خلال عضويتها في القيادة الثلاثية (الترويكا) للمجموعة، حيث تسعى هذه القيادة الثلاثية إلى ضمان عمل رئاسات مجموعة العشرين جنباً إلى جنب لتحقيق الاتساق والاستمرارية للأجندة المطروحة.
الرياض سبق أن أخذت المبادرة والتنويه بضرورة احتواء تداعيات «كورونا» وجعله أولى الأولويات لمجموعة العشرين؛ على اعتبار أنها منتدى ريادي للتعاون الاقتصادي الدولي، والحقيقة ارتقت القمة الطارئة آنذاك لمستوى الظرف ودقة المرحلة بطرح المعالجات والحلول الممكنة. كما قدمت حلولاً فيما يتعلق بالمناخ، وشهدت الرياض قبل أيام قمماً تناولت أبعاد هذا الملف وبامتياز.
فكما أن القمة السابقة التي رأستها السعودية عام استثنائي ساهمت فيه على التهدئة وطمأنة الشعوب وبناء جسور الثقة وبث الروح المعنوية ومواجهة تداعيات تفشي فيروس كورونا، وحماية الاقتصاد العالمي، فإن قمة إيطاليا اليوم على سبيل المثال دفعت بموضوعي المناخ والتحول البيئي للقمة لأهميته القصوى، فالتغير المناخي والحفاظ على البيئة وتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ملفات لم تلق اهتماماً في الماضي، ولكن هناك التفاتة جادة للتعاطي مع هذه القضايا المهمة للإنسانية. وكما قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في قمة «مبادرة الشرق الأوسط الأخضر»، إن آثار التغير المناخي لم تعد تقتصر على البيئة الطبيعية فقط، بل تشمل الاقتصاد والأمن.
وفي ظل التراجع للمؤسسات الدولية، فإنه قد آن الأوان أن تمسك مجموعة العشرين زمام المبادرة وإعادة صياغة نظامها بما يتيح لها أن تلعب دوراً مفصلياً في حل قضايا ومشاكل الكوكب. ومع ذلك، يقول مناهضو العولمة، وهم باحثون عن الحق والحرية والقيم الإنسانية في ظل طغيان المعايير المادية التي جرّدت المرء من إنسانيته، إن «سياسات مجموعة العشرين في أنحاء العالم مسؤولة عن الظروف المشابهة للجحيم، مثل الجوع والحرب والكوارث المناخية». طبعاً هم موقنون أنه لا يمكن إلغاء العولمة، ولكنهم يفضلون التقليل من سلبياتها عبر تخفيض منسوب الفارق الطبقي ومساعدة الدول الفقيرة بإلغاء ديونها وتكريس مفهوم العدالة. هذه المنظومة الاحتجاجية لا تلبث أن تظهر بين الفينة والأخرى ضد المفهوم العولمي، وتحديداً في جانبه الاستعبادي والاستعماري، لتصبح بمثابة تحالف شعبي.
فالرأسمالية كنظام مثلاً تعاني كثيراً بعدما تردى الوضع الاقتصادي العالمي، بدليل أزماتها المتوالية التي عصفت باقتصادات دول ما أربك خططها المستقبلية؛ وهو ما دفع البعض ليتساءل عما إذا كانت الديمقراطية السياسية أخفقت فعلاً في تحقيق إصلاح اقتصادي للشعوب. ومع ذلك، فالعالم يتعرض لتحديات جسيمة ومخاطر عديدة ما قد يعرض أمنه واستقراره للخطر، وخصوصاً أننا نشهد عودة الحرب الباردة بين القطبين، ناهيك عن الصراع الذي يتصاعد بين واشنطن وبكين. وكل قمة مرهونة عادة بالإرادة السياسية لزعماء الدول وعادة تهدف إلى تحقيق النمو الاقتصادي وإزالة الفروق وبناء مجتمع مستقبلي يركز على الإنسان. ولعل هذه القمة يضاف إليها ملف التغير المناخي الذي أصبح يهدد البشرية، وكان محقاً رئيس الوزراء الإيطالي عندما طالب بضرورة التركيز على التدريب لخلق المهارات اللازمة لمواجهة الثورة البيئية جنبا إلى جنب مع الثورة الرقمية.