شارلز ليستر
- زميل ومدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد الشرق الأوسط
TT

هل ينجح «داعش» في كسب المنشقين عن «طالبان»؟

انشغل المجتمع الدولي منذ استيلاء «طالبان» على أفغانستان قبل نحو شهرين مع «الحكومة» الجديدة في كابول باستكشاف نوع العلاقات الممكنة مع كيان تديره «طالبان». وحتى الآن، لم تسفر هذه المرحلة من الحوار الاستكشافي عن كثير من الانفتاحات الهادفة، لتترك أفغانستان وسكانها، البالغ عددهم 38 مليون نسمة، على حافة هاوية مقلقة للغاية.
حتى قبل انسحاب الولايات المتحدة، وتسلم «طالبان» السلطة، كان الاقتصاد الأفغاني يعتمد بشدة على المساعدات الخارجية، وكان أكثر من نصف السكان يعيشون في فقر. ومع عدم وضوح استدامة المساعدات الخارجية، وترك الخزانة العامة فارغة فعلياً، فإن الأزمة الاقتصادية والإنسانية تبدو أمراً واقعاً.
وعلى الرغم من أن الأسباب الجذرية للتطرف والإرهاب كثيرة من حيث العدد، فما من شك في أن ارتفاع معدلات الفقر والنزوح والمعاناة الإنسانية جميعها دوافع قوية. وعلى الرغم من تقديم «طالبان» تأكيدات بعزمها على منع تنظيم «القاعدة» من استخدام الأراضي الأفغانية للتخطيط للإرهاب الدولي، ومحاربة «داعش»، فما من سبب يدعو للثقة. ومن ناحية أخرى، فإن هناك علاقة لـ«طالبان» بـ«القاعدة»، وأهم صلة بينهما هي سراج الدين حقاني، وزير الداخلية الأفغاني الجديد.
وبينما تدعي «طالبان» بالمثل أنها اعتدلت في السنوات الأخيرة، فقد احتفلت بانتصارها في أغسطس (آب) من خلال شريط فيديو عالي الدقة يشيد بأسرابها من المفجرين الانتحاريين. والأسبوع الحالي، دعا حقاني نفسه إلى تجمع حاشد لعائلات مفجري «طالبان» الانتحاريين للاحتفال بدورهم في تحقيق النصر.
ومع قيام «طالبان» بإدارة الحكومة الأفغانية الجديدة، وتولي «شبكة حقاني» مناصب رئيسية في السلطة، ستبحث «القاعدة» عن فرص للتعافي بهدوء في الظل. وقد يستغرق الأمر وقتاً حتى يتضح هذا الانتعاش، لكنه في النهاية مضمون الحدوث تماماً. وعندما اقتحم مسلحو «طالبان» وادي بنجشير لمواجهة مقاتلي «جبهة المقاومة الوطنية»، بقيادة أحمد مسعود، وتفريقهم في نهاية المطاف، رافقهم ما لا يقل عن عشرات من عناصر «القاعدة» من آسيا الوسطى، وفقاً لمصدر غربي مطلع.
لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الفرص التي يوفرها انحدار أفغانستان البطيء إلى الانهيار الاقتصادي والمعاناة الإنسانية وعدم الاستقرار لفرع «داعش» المحلي، المعروف باسم «داعش خراسان». وفي الأسابيع الأخيرة، شن تنظيم داعش حملة عنيفة واسعة من المحافظات الأفغانية، وأعلن مسؤوليته عن 40 هجوماً على الأقل في الأسابيع الأربعة الماضية. وقد ركزت حملة «داعش» هذه بشكل أساسي على مجموعتين من الأهداف، هي: «طالبان» والهزارة الشيعية في أفغانستان. وعلى مدار يومي جمعة متتاليين، استهدفت مساجد شيعية من قبل انتحاريين تابعين لـ«داعش»، مما أسفر عن مقتل وجرح المئات.
ومن الواضح أن تعجيل الصراع الطائفي على أجندة «داعش»، شأن حملاته التي استمرت لسنوات في العراق وسوريا، قد أثبت استغلال الانقسامات العرقية والطائفية، ونجاحه بدرجة كبيرة مميتة.
ورداً على تحدي «داعش»، يبدو أن «طالبان» قد شنت سلسلة من حملات القمع المحلية على المجتمعات السلفية، وغالبيتها في شرق أفغانستان. وبحسب بعض التقارير، فقد تم اعتقال آلاف المتهمين بالولاء لـ«داعش» في غارات لـ«طالبان» في الأيام العشرة الماضية. وبينما كان مقاتلو «طالبان» يختفون ليلاً، وقد عُثر على جثثهم مقطوعة الرأس بعد ساعات، بدأت عناصر في الوقوع ضحية لسلسلة من الاغتيالات التي لم يطالب بها أحد، والتي نُسبت على نطاق واسع إلى فرق الاغتيال التابعة لحركة «طالبان».
وهكذا، وفي غضون شهرين من سيطرة «طالبان» على أفغانستان، بدأت بالفعل حملة مميتة، ناهيك من الحرب الأهلية الغامضة بين المتطرفين. إحدى النتائج المثيرة للقلق لهذه الديناميكية الناشئة هي أن وكالات الاستخبارات في الولايات المتحدة وأوروبا، عبر وسط وجنوب وجنوب شرقي آسيا، اكتشفت خلال الأسابيع الأخيرة ارتفاعاً واضحاً في المحادثات بين متطرفين التي تركز على أفغانستان في الداخل. وفي كل حالة تقريباً، ترتبط هذه الثرثرة بـ«داعش».
وقد بدأ التدفق صغيراً، ولكن يمكن اكتشافه من خلال المقاتلين الأجانب (من آسيا الوسطى وإندونيسيا ودول عربية وشمال غربي سوريا) المتجهين صوب أفغانستان قبل أسابيع من زحف «طالبان» إلى كابول، ولكن يبدو أنه لم يستمر فحسب، بل زاد بوتيرة ملحوظة. وتعد طاجيكستان نقطة الدخول المفضلة لديهم في الوقت الحالي.
ومن خلال الدفع بروايتين متوازيتين -واحدة معادية للشيعة، وأخرى تنتقد «طالبان» لأنها في نظرها قد باعت القتال لصالح السياسة- فإن «داعش» تبدو في موقع استراتيجي لاستغلال عدم الاستقرار الجديد في أفغانستان. ومع استمرار الضغط على «طالبان» لكسب مزيد من الدعم للمجتمع الدولي، ولمواجهة «داعش» بموارد أكبر، ستكتسب رواية «داعش» موطئ قدم قوي بشكل متزايد في مجتمع المتطرفين، سواء في أفغانستان أو خارجها. إحدى الديناميكيات التي يجب مراقبتها من كثب هي ما إذا كانت «داعش» ستنجح في جذب أعداد ذات مغزى من المنشقين عن صفوف «طالبان»، بالنظر إلى مزاعمها باعتدال «طالبان»، وحقيقة أن الآلاف من مقاتلي «طالبان» الذين لم يعرفوا شيئاً سوى الحرب عالقون الآن في أداء الوظائف الوضيعة المرتبطة بها.
ومع أخذ كل هذا الواقع في الاعتبار، يمكن القول ببعض الثقة إن المقاتلين الأجانب من المرجح أن يسافروا إلى أفغانستان بأعداد متزايدة في الأشهر والسنوات المقبلة. والسؤال الوحيد الذي لا يزال غير واضح هو الحجم الذي سيمثله هذا التدفق. لذلك من الضروري على جميع الحكومات في جميع أنحاء العالم أن تكون مستعدة اليوم لاكتشاف واعتراض ومنع المتطرفين المحتملين من السفر إلى أفغانستان. وبالنظر إلى التقارب الجغرافي والاتجاهات التاريخية، فإن الشرق الأوسط يمكن أن يلعب دوراً مركزياً في هذه الديناميكية الناشئة.