هدى الحسيني
صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، عملت في صحف ومجلات منها: «الأنوار» في بيروت، و«النهار» العربي والدولي و«الوطن العربي» في باريس ، و«الحوادث» و«الصياد» في لندن . غطت حرب المجاهدين في افغانستان، والثورة الايرانية، والحرب الليبية - التشادية، وعملية الفالاشا في السودان وإثيوبيا، وحرب الخليج الاولى. حاورت الخميني والرئيس الأوغندي عيدي أمين.
TT

ما بين أذربيجان وإسرائيل يقلق إيران!

أجرت إيران مؤخراً تدريبات عسكرية واسعة النطاق على طول حدود أذربيجان بعد أسابيع فقط من إجراء تركيا وباكستان تدريبات عسكرية مع باكو. جرت التدريبات وسط مزاعم إيرانية بأن قوات إسرائيلية منتشرة على الأراضي الأذربيجانية.
هناك مشكلتان رئيسيتان بالنسبة لإيران الآن؛ إسرائيل واحتمال قيام أذربيجان بعزل إيران عن المنطقة. وتهدد إيران أذربيجان لعلاقاتها الوثيقة مع إسرائيل وتطالب بقطع هذه العلاقات. لكن ماذا فعل الرئيس الأذربيجاني كرد فعل؟ نشر صورة له بالقرب من طائرة إسرائيلية من دون طيار. إيران قلقة من علاقات أذربيجان الوثيقة مع كل من إسرائيل وتركيا. تشتري إسرائيل النفط الأذربيجاني، وتشتري أذربيجان الأسلحة الإسرائيلية، بما في ذلك تكنولوجيا الطائرات من دون طيار. وقد أدت حرب ناغورنو قره باخ الثانية إلى تحول نوعي في ديناميكيات القوة الإقليمية التي لا تشعر إيران تجاهها بالرضا. كانت أرمينيا دولة مفيدة حيث سمحت لإيران بالتجارة والوصول إلى العالم الخارجي، لكن أذربيجان تحاول الآن إغلاق البوابة. وسط التوترات المتزايدة بين إيران وأذربيجان، ذكرت عدة مواقع موالية لـ«الحرس الثوري» الإيراني على وسائل التواصل الاجتماعي أن فصيل مقاومة أُعلن عنه حديثاً ظهر في جمهورية جنوب القوقاز «الحسينيون». يحمل الحسينيون جميع السمات المميزة للميليشيات الأخرى التي أنشأتها إيران، والمعروفة باسم «محور المقاومة»... مثل هذه التطورات تميل إلى توتير الأمن الداخلي وعدم الاستقرار السياسي في الدولة الغنية بالموارد، بالنظر إلى أنه رغم كونها دولة ذات أغلبية شيعية، فإنها لا تزال علمانية إلى حد كبير بعد سنوات من الحكم السوفياتي. ثم إن الحكومة الحالية حليف وثيق ومهم لإسرائيل وأمة شقيقة لتركيا. رغم أن طهران سعت في السابق إلى تصدير ثورتها إلى أذربيجان، فإنها لم تحقق نجاحاً كبيراً.
من منظور عملي، تنظر إيران إلى القومية الأذرية على أنها تهديد لشؤونها الداخلية بسبب الأقلية العرقية الأذربيجانية الكبيرة في مقاطعة أذربيجان الشمالية الإيرانية. مع حفاظها على العلاقات مع باكو، كان يُنظر إلى إيران على أنها أكثر دعماً لعدو أذربيجان، أرمينيا. وبالفعل كانت إيران الخاسر الأكبر من حيث اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه تركيا وروسيا بين أرمينيا وأذربيجان بشأن حرب ناغورنو قره باخ العام الماضي، مع ترجيح ميزان القوى لصالح الأخيرة. ومع ذلك، فإن القلق الأكبر هو قرب إسرائيل المتزايد من حدود إيران عبر علاقاتها العسكرية والسياسية مع أذربيجان، والتي كانت إيران، في وقت سابق من الأسبوع الماضي، مصرة على أنها لن تتسامح مع أي تغييرات جيوسياسية في المنطقة وحذرت منها. الصراع العسكري بين إيران وأذربيجان من شأنه أن يؤدي إلى حريق إقليمي. بالنظر إلى أن تركيا قد أبرمت للتو اتفاقاً أمنياً مع باكو من خلال التوقيع على «إعلان شوشا» في يونيو (حزيران) الماضي، لذلك من المؤكد أن تركيا ستدعم أذربيجان. كما ستزيد باكستان، حليفة تركيا وأذربيجان، من الضغط العسكري على الحدود الشرقية لإيران. وليس من قبيل الصدفة أن تجدد التوترات الإقليمية وخطر اندلاع حرب أذربيجانية - إيرانية جاء بعد أن ورث الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، نظاماً جيوسياسياً إقليمياً راسخاً معارضاً لإيران. جزء من هذا التكوين هو مجموعة عسكرية وأمنية موالية للغرب تتكون من تركيا وأذربيجان وباكستان.
ففي 27 يوليو (تموز) الماضي، وقعت تركيا وأذربيجان وباكستان «إعلان باكو»، وهو شراكة استراتيجية خلقت شكلاً جديداً للتعاون السياسي والعسكري بين الدول الثلاث. وجدد إعلان باكو دعمه لعودة الأراضي المحتلة إلى أذربيجان، وأعرب عن تضامنه مع موقف باكستان بشأن منطقتي جامو وكشمير المتنازع عليهما بين باكستان والهند... في أوائل سبتمبر (أيلول) الماضي، قامت تركيا وأذربيجان وباكستان بمناورة عسكرية مشتركة للأخوة الثلاثة في باكو، والتي استخدمها القادة العسكريون الأذربيجانيون لشكر حليفتيهما على دعمهما خلال حرب ناغورنو قره باخ عام 2020.
ونأتي إلى إسرائيل، التي لديها شراكة أمنية مع أذربيجان منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، تنتمي إلى هذه المجموعة الجيوسياسية أيضاً. في 2 أغسطس (آب) الماضي، خلال فترة بدء دفء العلاقات بين تركيا وإسرائيل، افتتحت أذربيجان مكتباً للترويج للتجارة والسياحة، في إسرائيل، وذلك تمهيداً لفتح سفارة رسمية. وكانت إسرائيل افتتحت سفارتها في باكو منذ عام 1993. في المقابل المنافس هناك مجموعة جيوسياسية أخرى تتكون من روسيا وأرمينيا وإيران. بالإضافة إلى ذلك، دعمت أرمينيا الهند في نزاعها الإقليمي مع باكستان. لذلك ليس من المستغرب أن يؤدي تعيين رئيسي إلى تدهور العلاقات بين المجموعتين الجيوسياسية.
على كل، إن قعقعة السيوف الإيرانية تجاه أذربيجان ليست جديدة. ففي عام 2007. قال علييف إن إيران كانت «مشكلة كبيرة». كما أعلن أنه «لا توجد آلية دولية فعالة لمواجهة التهديد الذي تشكله إيران». في الشهر الماضي، بعد وصف أذربيجان بـ«الكيان الصهيوني»، أجرت إيران أكبر مناوراتها العسكرية منذ ثلاثين عاماً على الحدود الأذربيجانية. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، إن إيران «لن تتسامح مع وجود الكيان الصهيوني (إسرائيل) بالقرب من حدودها، وستتخذ الإجراءات الأمنية التي تراها ضرورية». السفير الأميركي السابق لدى أذربيجان ماثيو بريزا علق قائلاً إنه «في حين أن إيران لا تحاول أن تكون معادية، إلا أنها لا تزال تُظهر عدم ارتياحها للدول الثلاث بشأن مناوراتها المشتركة السابقة. رداً على ذلك، أجرت تركيا وأذربيجان تدريبات عسكرية للمرة الثالثة خلال شهرين أطلقتا عليها اسم مناورة «الأخوة الصامدة» في أوائل أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في ناخشيفان، وهي جيب أذربيجاني محاصر بين أرمينيا وإيران.
هناك خمسة عوامل تؤثر على تدهور العلاقات الإيرانية مع أذربيجان.
العامل الأول هو الشراكة الأمنية بين أذربيجان وإسرائيل. منذ أكثر من عقد من الزمان، أرسل رئيس الأركان الإيراني اللواء حسن فيروز آبادي تهديداً مبطّناً إلى أذربيجان لأنها استقبلت الرئيس الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريس في عام 2009. وحذر فيروز آبادي بشكل قوي الرئيس علييف من أنه «سيواجه مستقبلاً مظلماً لأن يقظة الناس لا يمكن قمعها عن منح الكيان الصهيوني الحرية للتدخل في شؤون بلاده».
في حين أن كلاً من إيران وأذربيجان دولتان شيعيتان، إلا أن هناك فرقاً مهماً: فقد ورثت أذربيجان ثقافة علمانية وحافظت عليها منذ سبعة عقود في الاتحاد السوفياتي؛ إيران غير مستعدة لقبول أن الهوية العلمانية لأذربيجان ترتكز على الثقافة التركية وتشعر بالإحباط والمرارة من نفوذ تركيا المتزايد داخل حدود جارتها. في غضون ذلك، حاولت إيران، لكنها فشلت، نشر الثورة الشيعية في أذربيجان.
العامل الثاني هو عدم رغبة إيران في قبول دولة شيعية علمانية ترى أنها تنتمي إلى مجال النفوذ التقليدي لبلاد فارس. لا تحظى الأصولية الشيعية الإيرانية بأي دعم فعلي فيها. وفي الوقت نفسه، فإن 8 في المائة فقط من المواطنين الأذربيجانيين، يؤيدون جعل الشريعة قانوناً رسمياً في بلادهم. وتوفر أذربيجان الحديثة والعلمانية الدعم للمعارضة الإيرانية من خلال منحهم مساراً بديلاً يسلكه بلدهم.
العامل الثالث هو مخاوف إيران من بروز النزعة الانفصالية بين الأقلية الأذربيجانية التي تمثل أكثر من ربع سكانها، خصوصاً أن هذه الأقلية دعمت باكو في حرب ناغورنو قره باخ عام 2020. وهو موقف يتعارض تماماً مع دعم طهران لأرمينيا. ناهيك عن أنه على الحدود الإيرانية الأذربيجانية، لدى إسرائيل مواقع تنصت وتستخدم طائرات من دون طيار لجمع معلومات استخبارية حول الشؤون العسكرية الإيرانية. الأقلية الأذربيجانية في إيران مصدر مهم للذكاء البشري الملموس.
العامل الرابع: في العقود الثلاثة الماضية، تم تطوير الاقتصاد الأذربيجاني والبنية التحتية للطاقة على نطاق واسع، مما جعلها الدولة المهيمنة في دول جنوب القوقاز الثلاث، وهو تطور لا يروق لإيران. كما أوضحت برقية دبلوماسية أميركية، «يجب أن يكون مفهوماً أنه لعدد من الأسباب قد لا تكون إيران مهتمة بشكل موضوعي بتعزيز أذربيجان. لطهران أهداف محددة تتعلق بأمنها القومي وسلامة أراضيها، وبالتالي، لن تسمح أبداً بتعزيز أذربيجان المستقلة». تشعر إيران بالقلق من أن تصبح أذربيجان قناة لتنمية النفوذ التركي في آسيا الوسطى، حيث تتحدث أربع من الدول الخمس باللغة التركية. وتعمل تركمانستان وكازاخستان بالفعل على تطوير منافذ لتصدير الطاقة عبر أذربيجان وتركيا لتجاوز سيطرة روسيا على خطوط الأنابيب الإقليمية.
تجدر الإشارة إلى أن إعلان شوشا ينص على أنه «إذا كان هناك من تهديد أو عمل عدواني من دولة أو دول ثالثة ضد استقلالها أو سيادتها أو سلامتها الإقليمية أو حرمة أو أمن حدودها المعترف بها دولياً، فإن الأطراف كلها ستجري مشاورات مشتركة».
قد لا تؤدي أي استفزازات أخرى تتصورها طهران في أذربيجان إلى صراع بالمعنى التقليدي، وهذا ما تتجنبه إيران منذ ثورتها، لكن ظهور الحسينيين هو مؤشر على أن إيران لديها خيارات لمواجهة أعدائها عبر الحدود في القوقاز من خلال وسائل غير تقليدية. ويزداد التوتر الإيراني بعدما رفضها الشعب العراقي في الانتخابات الأخيرة، وصارت «طالبان» جارة لها في أفغانستان، ثم إن «حزب الله» في لبنان، ذراعها الأقوى يهدد بالدخول في مغامرة داخلية قد تكمل على ما دمره في لبنان، لكنها قد تكون الآلية الوحيدة للقضاء عليه.