حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

ما الذي ميز عبد الله بن إدريس؟

تأملت في سير الأعلام والنبلاء والعلماء والأدباء والشعراء في القديم والحديث، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وتأملت سيرة من اشتد وهجه منهم وطال عنقه بينهم وبزَّ أقرانه وفاقهم في الذكر والثناء والاحتفاء والمحبة والقبول والشعبية، ولم أجد أن نتاجهم الأدبي أو العلمي أو الشعري أو الأكاديمي هو بالضرورة باعث هذا الوهج والتميز فحسب، مع التسليم بالأهمية القصوى لهذا النتاج بلا شك، بل وجدت أن «السمات الشخصية» من رقي الأخلاق وإنسانية التعامل والعقل والتوازن والاعتدال هي التي ترجح كفة ميزانه وتبرزه بين أقرانه، وهذا بالضبط ما اتسمت به شخصية الأديب السعودي الراحل الشيخ عبد الله بن إدريس، رحمه الله، الذي ضج المجتمع السعودي حزناً لرحيله الأربعاء الماضي.
أثبت الشيخ عبد الله بن إدريس الذي عُرِفَ عنه التدين الفطري الراسخ والتعلق بالقرآن تلاوة وتدبراً، واللسان الرطب الندي بالأذكار، أن التدين لا يجر الإنسان السوي إلى التطرف والتشدد، بل على العكس، فقد زاوج هذا الأديب الراقي بين التدين والسماحة، وبين الالتزام بتعاليم دينه والانفتاح مع كل أحد، فعل كل هذا بميزان «إلكتروني» بشري دقيق، فلا يتنازل عن ثوابت، لكنه يتسامح مع المتغيرات، واستطاع بحذاقته وأدبه وتأدبه أن يحلّق في فضاء الاعتدال ونأى بنفسه عن ضجيج المتخاصمين وصخب المتنازعين، فلم ينجر إلى صراعات فكرية ولم يتسخ بنزاعات أدبية، وظل نقي الصدر مخموم القلب عف اللسان زاهداً عما في أيدي الناس، فأحبه الناس، عوامهم وخواصهم، حاكمهم ومحكومهم، محافظهم وليبراليهم، وتَشَكَّل زوَّاره وجُلَّاسه من ألوان الطيف الفكري في المجتمع، وكلٌ يراه الأقربَ منه والأحب إليه، وهذه، لعمر الحق، من سمات الوجهاء الحقيقيين والرموز المجتمعية المحترمة.
هذا الأديب الموهوب والشرعي والشاعر والإداري والجامعي والمؤلف الذي اتسم شعره ونثره بالجزالة وحسن السبك وقوة الحبك والعذوبة والرقة التي بلغت أوجها وذروتها في قصيدته ذائعة الصيت «أأرحل قبلك أم ترحلين؟» مخاطباً زوجته ورفيقة دربه. هذا الرمز الأدبي وغيره من الأدباء والشعراء السعوديين وحتى الخليجيين لم ينل نتاجهم نثراً وشعراً ما يستحقه من التسويق في العالم العربي، وحظي بنصيب الأسد من التسويق وذياع الصيت أدباء وشعراء الشام والعراق ومصر. بالتأكيد، إن تسويق المنتج الفكري يحتاج إلى شطارة كشطارة التجار في تسويق منتجاتهم وماركاتهم التجارية، وكرة التسويق الآن في ملعب الساحة الأدبية السعودية والخليجية لتجعل من وفاة الأديب الراحل حياة لتسويق أعماله الأدبية وأعمال أقرانه من الأدباء السعوديين والخليجيين المتميزين.