مارك شامبيون
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

الانتخابات البريطانية وصراع الأحزاب

يجري صراع الحملات الانتخابية، قبيل عقد الانتخابات في 7 مايو (أيار) المقبل، بين حزب المحافظين وحزب العمال على عدة جبهات تقليدية، من بينها المواجهة بين حنكة المحافظين في إدارة دفة الاقتصاد من جانب، والإنصاف في سياسات العمال والخدمات الصحية القوية التي يقدمونها من جانب آخر.
ولكنْ هناك أمر غريب يجري في حملات هذا العام يتطلب بعض التوضيح، فرغم كل ما ذكره كل معسكر، ورغم التحسن الهائل الذي تشهده الأخبار الاقتصادية، فإن استطلاعات الرأي لم تشهد أي تغير في الشهور الأخيرة، فكلا الحزبين الرئيسيين يحصل في استطلاعات الرأي على نسب متقاربة جدا من حيث الشعبية، مما يثير الشكوك حول قدرة أحد الحزبين على الفوز بأغلبية تمكنه من حكم البلاد دون الدخول في ائتلافات مع أحزاب أخرى، ومن بين الأسباب التي أدت لظهور هذا الوضع تمكن الأحزاب الصغيرة التي تتبنى قضية واحدة من تغيير الخريطة الانتخابية لبريطانيا، وربما للأبد.
وكان الجدل القائم حول الميزانية والحملات الانتخابية بين العمال والمحافظين قد عكس الحرب الآيديولوجية الطويلة التي شهدتها بريطانيا حول حجم القطاع العام فيها؛ فتلك الحرب التي اندلعت في السبعينات عندما ساعد التدهور الاقتصادي مارغريت ثاتشر على الوصول إلى رئاسة الوزراء لتقوم بعدها بتقليص حجم القطاع العام وقوته العاملة بقدر المستطاع،
ويمكن تتبع جذور هذه الحرب الآيديولوجية عبر كشوف مرتبات موظفي الحكومة، فأثناء حكم ثاتشر انخفض عدد الموظفين من 7.4 مليون (30 في المائة من إجمالي القوة العاملة) إلى نحو 6 ملايين موظف (23 في المائة) حسب تقرير مفصل أصدره معهد الدراسات المالية، وهو مركز أبحاث مرموق في المملكة المتحدة. وحينما حمل جون ميجور راية المحافظين بعدها قام بتقليص عدد الموظفين الحكوميين إلى أقل من 5.5 مليون موظف. (المصدر: معهد الدراسات المالية).
وعندما عاد حزب العمل إلى حكم بريطانيا تحت رئاسة توني بلير وغوردن براون، قاما بعكس الآية، فحتى منتصف العقد الأول من الألفية الثانية، ارتفع عدد موظفي القطاع العام ليصل إلى 6 ملايين، بينما أصبح عددهم اليوم وبعد 4 سنوات من عودة المحافظين الأقل منذ 50 عاما، حيث وصل العدد إلى 5.4 مليون موظف، أي ما يعادل 20 في المائة من نسبة القوة العاملة. وفي حالة نجاح المحافظين في الانتخابات المقبلة فإن عدد موظفي القطاع العام سيشهد المزيد من الانخفاض، حيث يتوقع أن تصل نسبتهم إلى 15 في المائة من حجم القوة العاملة.
وهذا هو ما دفع حزب العمل لتوجيه اتهامات بـ«التطرف» لحكومة ديفيد كاميرون؛ ونظرا لأن رجل الشارع البريطاني لا يقبل المساس بنظام التأمين الصحي العام، سارع القائد العمالي إيد مليباند إلى التحذير من أن نجاح المحافظين في الانتخابات المقبلة سيعني القضاء على جودة الرعاية الصحية، وسيمثل تهديدا على وظائف الأطباء والممرضات المعينين من قبل الدولة.
لكن الانتخابات هذه المرة، وعلى العكس من كل الانتخابات السابقة، لن تلعب المعارك الآيديولوجية الممتدة منذ زمن طويل دورا حاسما في تحديد نتيجتها. فأهم أولويات الناخب هذه الأيام هي مسألة الهجرة التي تبناها حزب الاستقلال البريطاني ليتمكن من ورائها من الحصول على زيادة كبيرة في شعبيته من 3 في المائة في انتخابات 2010 إلى 18 في المائة في استطلاع رأي أجرته وكالة «بوبولوس» في 13 مارس (آذار) الحالي، بينما حصل المحافظون على 29 في المائة، فيما نال العمال نسبة شعبية قدرها32 في المائة.
هناك تحول هائل آخر ستشهده انتخابات هذا العام ويتمثل في الحزب الوطني الاسكوتلندي الذي يمكن أن يكتسح اسكوتلندا ليفوز بعدد من المقاعد يصل إلى 40 مقعدا، بعدما فاز بستة مقاعد فقط في انتخابات 2010، كما أنه من المعروف أن الجدال حول السياسات الاقتصادية في لندن، ليس من المرجح أن يكون له تأثير على توجهات الناخب الاسكوتلندي.
لا أعتقد أن كلا الحزبين الكبيرين ينتهج طريقا خاطئا عندما يركزان على الاقتصاد والقطاع العام كما كان يحدث في الماضي، فمن المرجح أن هذا التركيز ما زال يعد أفضل طريق لاستمالة الناخبين قبل عقد الانتخابات بدلا من السعي وراء إحراز تفوق أمام حزب الاستقلال فيما يتعلق بمسألة الهجرة، أو الحزب الوطني الاسكوتلندي فيما يخص القضايا التي تهم الناخب الاسكوتلندي. فهذا الانفصام قد يساعد في توضيح لماذا ستؤثر الأخبار الاقتصادية الجيدة على عدد المقاعد الذي يتوقع كلا الحزبين الفوز بها. إن هذا سيشكل ما قد يكون بمثابة انتخابات فريدة من نوعها ستشهدها بريطانيا، فلن تعد مقتصرة حصريا على كلا الحزبين السياسيين، ولا على الصراع الطبقي الذي يمثلانه.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»