شولي رين
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

بيروقراطيو الصين ومكافحة الفساد

في الولايات المتحدة، يتداول العاملون في البنوك المركزية الأسهم في البورصة، ويحكم القضاة الفيدراليون في قضايا الشركات التي يمتلكون فيها مصالح مالية، ولكن في حين يعد النموذج الأول قانونياً لكنه مثير للجدل، فإن الثاني يعد غير قانوني ولكنه شائع، ومع ذلك، فإنه في الصين، يعد الموقف الرسمي بشأن مثل هذه القضايا هو أنها ممنوعة بشكل كامل.
وبالنظر إلى أن الرئيس الصيني شي جينبينغ يسيطر على كبار رجال الأعمال ويشدد اللوائح، فإن البيروقراطيين التابعين له لم يسلموا من التدقيق، ولذا فإن الرسالة تبدو واضحة: لا يجب الخلط بين ممارسة الأعمال والعمل الحكومي.
وقد كانت قضايا الفساد البارزة التي سيطرت على عناوين الأخبار في وقت سابق من هذا العام مجرد بداية للحملة الصينية، فقد تم إعدام لاي شياومين، الرئيس السابق في شركة تشاينا هوارونغ لإدارة الأصول، والتي تعد أغلبيتها مملوكة لوزارة المالية الصينية، في يناير (كانون الثاني) الماضي، وذلك لتلقيه رشاوى بقيمة 1.8 مليار يوان (278 مليون دولار)، وفي سبتمبر (أيلول) الجاري، حُكم على يوان رينغوه، الرئيس السابق لشركة المشروبات الكحولية العملاقة المملوكة للدولة Kweichow Moutai، بالسجن مدى الحياة لتلقيه رشاوى قدرها 112.9 مليون يوان، أما في أغسطس (آب) الماضي، فقد أعلنت بكين أنها تحقق مع أكبر مسؤول حكومي في مدينة هانغتشو، عاصمة مقاطعة تشيجيانغ الصينية، بشأن انتهاكات خطيرة للوائح، مما أدى إلى حدوث صدمة كبيرة في هذا المركز التكنولوجي الذي يقع فيه مقر مجموعة «علي بابا» القابضة المحدودة، وشركة «آنت غروب» التابعة لها.
وفي 20 سبتمبر الجاري، أصدرت أعلى هيئة للرقابة على الفساد في الصين أول مجموعة من الإرشادات التفصيلية التي تضم 101 نوع من الجرائم التي ستحقق فيها، وتتنوع التهم المحتملة الموجودة في الإرشادات بشكل كبير، إذ إنها تشمل الرشوة والتقصير في أداء الواجب والتداول من الباطن والتوقيع على الفواتير التجارية المشبوهة.
ووفقاً للتوجيهات الجديدة فإنه يمكن لأي شخص أن يخضع لتحقيقات الفساد، وليس فقط للبيروقراطيين الحكوميين، إذ ستشمل التحقيقات العاملين في المستشفيات العامة أو مصانع الصلب المملوكة للدولة، أو مديري الشركات المعينين من قبل الدولة، وتقول الهيئة الرقابية هذه إنه في النصف الأول من عام 2021 فتحت الحكومة 321 ألف تحقيق وعاقبت 265 ألف فرد، وهو أكبر عدد منذ الكشف العلني المماثل عن مثل هذه الأرقام في 2017.
ويبدو أن أي شخص يتعامل مع الأموال في الصين سيحتاج إلى توخي مزيد من الحذر من الآن فصاعداً، إذ سيبدأ مسؤولو مكافحة الفساد قريباً في حملات تفتيشية على 25 وحدة مالية، بما في ذلك هيئات الرقابة المصرفية، والبنوك، والمؤسسات المالية العملاقة المملوكة للدولة، ومديرو أقسام القروض المتعثرة، وشركات التأمين، وستكون هذه الحملات هي الأوسع نطاقاً منذ عام 2016، وذلك وفقاً لمؤسسة «Caixin» الإعلامية المحلية المؤثرة.
ويبدو أنه مع انتشار الفضيحة تلو الأخرى، بات صبر بكين ينفد، فعلى سبيل المثال، كان على الجهات المنظمة تولي أمر بنك «باوشانغ»، وهو بنك إقليمي مقره في مقاطعة منغوليا الداخلية الغربية في مايو (أيار) 2019، إذ إنه في ذلك الوقت ارتفعت تكاليف التمويل في الأسواق ما بين البنوك، وتجمدت عمليات الإقراض، ولكن كان «باوشانغ» مثالاً يُحتذى رغم صغر حجمه، وذلك لأنه ظل يمارس الأعمال التجارية في جميع أنحاء الصين.
ولكن بعد مرور عامين، اتهمت الصين الرئيس السابق للهيئة التنظيمية المصرفية في فرع منغوليا الداخلية، شيويه جيننغ، بتهمة تلقي رشوة بقيمة 400 مليون يوان، وخلصت هيئة الرقابة على الفساد إلى أنه بدون دعم جيننغ لباوشانغ، لم يكن البنك الإقليمي ليتمكن من فتح فروع في مدن أكبر مثل بكين وشنتشن، وهو ما أدى إلى خلق «فراغ تنظيمي»، وقال جيننغ في اعترافه إنه «أغلق عينيه» وسمح لباوشانغ بالتوسع خارج المقاطعة، مما أدى إلى عواقب وخيمة.
ثم كان هناك شركة CEFC China Energy، التي اشتهرت عالمياً بشراء حصة بقيمة 9 مليارات دولار في شركة Rosneft PJSC الروسية في عام 2017، وبعد تعثر مذهل بات معروفاً على المستوى العالمي بعد عام، تم الإعلان في التلفزيون الصيني الرسمي أن الرئيس السابق لبنك التنمية الصيني، هو هوايبانغ، كان يساعد في تسهيل خط ائتمان (تسهيلات مالية) بقيمة 4.8 مليار دولار لشركة الطاقة الغامضة، التي ليس لديها صلات واضحة بالدولة، كما تعرض بنك التنمية الصيني، الذي يقدم قروضاً مالية بمليارات الدولارات، لضربة في الآونة الأخيرة بسبب تحقيقات تتعلق بالكسب غير المشروع، وحُكم على هوايبانغ بالسجن مدى الحياة.
ويمكن للبيروقراطيين، بدءاً من المصرفيين المقرضين إلى مسؤولي التراخيص المالية إلى مديري محافظ شركات التأمين، الاستفادة من العديد من المناطق الرمادية الموجودة في النظام المالي الصيني المترامي الأطراف إذا اختاروا أن يكونوا عديمي الضمير.
وتشكو هيئة الرقابة على موقعها الإلكتروني من النفوس التي وصفتها بالخاسرة قائلة: «رغبة منهم في أن يصبحوا أغنياء وأقوياء، فإن المسؤولين الذين ليس لديهم مبادئ قد فقدوا مثالياتهم، وانغمسوا في الجرائم، واتبعوا مناهج دون المستوى، كما أنهم محاطون بجماعات ضغط».
وتأمل هيئة الرقابة على مكافحة الفساد أن تعلم هذه الحملات البيروقراطيين الصينيين أن يصبحوا ليس لديهم الجرأة ولا القدرة ولا الرغبة في أن يكونوا فاسدين، فمن المغري استغلال الثغرات الموجودة في النظام الذي يشبه المتاهة في الصين، ولكن مع وجود الكثير من الأحكام القاسية، فمن قد يجرؤ على فعل ذلك؟
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»