كان هذا أسبوعاً جيداً لأي شخص يسعى لإعادة رفع دعاوى قضائية تتعلق بانتخابات عام 2020. وكان أول الأنباء السارة التي حملها الأسبوع ظهور دليل جديد ورد في كتاب صدر حديثاً حول عائلة بايدن من تأليف الكاتب بين شريكينغر، الكاتب بمجلة «بوليتيكو»، ويحوي تفاصيل غير معروفة من قبل حول عملية ممارسة نفوذ تتعلق بليبيا، وتشير التفاصيل المذكورة بالكتاب إلى أن رسائل البريد الإلكتروني الشهيرة الخاصة بهانتر بايدن حقيقية، وتكشف كيف أن مساعي هانتر لاستغلال النفوذ اعتمدت على قربه من والده. وقت صدوره، بدا قرار كل من «فيسبوك» و«تويتر» بمنع نشر القصة التي أوردتها «نيويورك بوست» خلال موسم الانتخابات حول هانتر بايدن، متحيزاً وغير ليبرالي - واليوم، يبدو أكثر سوءاً عن ذلك.
بجانب ذلك، تكشفت معلومات جديدة أثارت قلق من يخشون عودة ترمب، تمثلت في مذكرة مجنونة تماماً كتبها الباحث القانوني صاحب التوجهات المحافظة جون إيستمان يشرح خلالها كيف يمكن لمايك بنس نزع الشرعية عن الانتخابات التي فاز بها جو بايدن.
ومن المفترض أن هذه المذكرة تشكل الأساس الذي تقوم عليه مطالب ترمب العقيمة، لأن يتخذ بنس هذا الإجراء، ومن الطبيعي أن يثير ذلك مخاوف من يخشون عودة ترمب ومشاركته في الانتخابات الرئاسية القادمة.
إلا أن النظر إلى الوراء يمكنه في بعض الأحيان حجب أنظارنا عن النقطة التي نقف عندها بالفعل. عندما تولى بايدن الرئاسة وسيطر حزبه على الحكومة وجرى تعزيز عمليات التطعيم وتزايدت الآمال في ازدهار الاقتصاد، لم يرد على ذهن غالبية الديمقراطيين أن نصل النقطة الحالية.
ولا تقتصر المشكلة على تراجع معدلات الرضا العام عن أداء الرئيس إلى مستويات تشبه ما كان عليه الحال في عهد ترمب (وتنخفض بحدة في أوساط الناخبين المنتمين لمجموعات الأقلية الذين فاجأوا الليبراليين بتحولهم إلى جانب الجمهوريين عام 2020). في الوقت ذاته، ربما تشهد معدلات تأييد ترمب ارتفاعاً، حسبما توحي نتائج استطلاع رأي أجرته هارفارد كابس/هاريس، لمستوى يجعل الأميركيين ينظرون إلى الرئيس السابق بنفس مستوى الرضا على الأقل الذي ينظرون به للرئيس الحالي.
وعليه، فإنه بجانب المخاوف من إقدام ترمب على سرقة الانتخابات الرئاسية المقبلة، ينبغي للديمقراطيين أن يدركوا احتمالية أن يفوز في الانتخابات ببساطة.
أما التحول السلبي الذي طرأ على مسار بايدن، فيمكن القول بأنه نتاج مزيج من سوء الحظ واختيارات سيئة وضعف متأصل. فيما يخص سوء الحظ، فإنه يتعلق في الجزء الأكبر منه بأزمة فيروس (كوفيد - 19» ذاتها، والتي مع تفشي المتحور «دلتا» لم يكن أي رئيس ليتمكن من احتوائها بسهولة. وربما يعد هذا الأمر السبب الرئيسي وراء تراجع معدلات الرضا عن أداء بايدن - والتي بدأت في التراجع بشدة بالتزامن تقريباً مع الوقت الذي أعادت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية، منها إصدار توصيتها بالتزام ارتداء أقنعة حماية الوجه. ويشير هذا الأمر بدوره إلى الجانب الأكثر إثارة للتفاؤل في الوضع الراهن لبايدن، ذلك أن حظوظه السياسية مرتبطة ببساطة بفيروس «كورونا» المستجد وسوف تتعافى سريعاً عندما - بحلول الربيع - تبدأ معدلات الوفيات في الانحسار أخيراً.
في المقابل، نجد أن الجانب الأكثر إثارة للتشاؤم يرتبط بجميع القضايا التي ضلت فيها جهود بايدن طريق الصواب.
ورغم أن بايدن نفذ إجراءات حظيت بالشعبية، فإن تنفيذها جرى على نحو يفتقر إلى الكفاءة. على سبيل المثال، كان قرار الانسحاب من أفغانستان صائباً تماماً، بل ومتأخراً عن موعده وحظي بتأييد شعبي، لكنه كشف في الوقت ذاته عدم استعداد واشنطن لمواجهة اكتساح جماعة «طالبان» طريقها نحو السلطة، الأمر الذي تسبب على أرض الواقع في خسارة بايدن لأي مكاسب سياسية كان يمكنه جنيها من وراء تنفيذه الانسحاب.
إضافة لذلك، سمح بايدن لثقته الليبرالية بأن تقوده إلى مسارات خاطئة فيما يخص عدداً من القضايا المحورية. مثلاً، نجد أن خطته للتحفيز الاقتصادي المبدئي اتضح على أرض الواقع أنها تنطوي على قدر أكبر من التضخم وقدر أقل من التحفيز عما روج له أنصارها، الأمر الذي أثار شبح «الركود التضخمي» الذي لم يكن ضمن خطة الديمقراطيين من البداية. كما أن سياسة الحدود التي انتهجها بايدن أثبتت أن مجرد الوعد بإبداء قدر أكبر من الإنسانية عما أظهره ترمب، ليس كافياً لمواجهة التحدي المستمر الذي تشكله موجات الهجرة.
وبينما نجح بايدن في اجتياز اختبار لمدى فطنته في إدارة شؤون الحكم - بفوزه بأصوات الجمهوريين لصالح مشروع القانوني الخاص بالبنية التحتية - فإنه أخفق في الكثير من الاختبارات الأخرى، وأصدرت إدارته رسائل متنافرة بخصوص جائحة (كوفيد - 19»، في الوقت الذي تعثرت المفاوضات الدائرة داخل حزبه اليوم بسبب انقسامات داخلية.
بصورة عامة، يبدو أن بايدن يقدم أفضل مستوى من الأداء في التعامل مع القضايا التي تحتاج إلى المواجهة الحازمة، مثل وقوفه بحزم في وجه الجنرالات الذين رغبوا في البقاء داخل أفغانستان لأجل غير مسمى، ونجاحه في الفوز بتأييد الجمهوريين بخصوص مشروع قانون البنية التحتية. في المقابل، يتردى مستوى أداء بايدن في التعامل مع القضايا التي يحتاج النجاح في التعامل معها، إلى إتقان صياغة الاستراتيجيات أو الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة أو التفاوض الحذر بين فرق متناحرة.
ولا يمكن النظر إلى هذا الأمر باعتباره مفاجأة، نظراً لأن نقطة الضعف الكامنة في بايدن تتمثل في السن، ويعاني من ذات أوجه القصور التي كان يعاني منها أثناء توليه منصب نائب الرئيس، في وقت يتقلد وظيفة قادرة على التهام السياسيين الشباب.
لذلك، فإن تبدل الحظ يبدو أفضل أمل لتعافي بايدن واستعادته شعبيته، لأنه الخيار الذي يتطلب منه أقل القليل. وفي ظل هذا السيناريو، تنحسر جائحة (كوفيد – 19) أو تتلاشى، ويجري احتواء التضخم ولو على نحو مؤقت بمجرد استعادة الأوضاع الاقتصادية وضعها الطبيعي، بينما تنحسر موجات الهجرة لأسباب تتعلق بطبيعة دورتها وينجح الديمقراطيون في توحيد صفوفهم.
أما ما ينبغي له أن يثير قلق الديمقراطيين، فهي السيناريوهات التي تتطلب جهداً كبيراً من جانب الرئيس، مثل القدرة على التكيف والبراعة. ورغم أن بايدن قادر بالتأكيد على أن يطفو سياسياً لبعض الوقت، فإنني لست على ثقة بقدرته على شق طريقه نحو العودة من جديد بقوة، على غرار ما فعله كلينتون بعد العثرات التي عاناها خلال الفترة الأولى من رئاسته.
وهنا تحديداً كان بايدن سيستفيد أكثر لو كان لديه نائب قادر على تحقيق التوازن مع نقاط ضعفه والتأكيد على نقاط قوته، وأترك للقارئ أن يقرر بنفسه ما إذا كان ذلك ينطبق على كمالا هاريس. وإذا كانت الإجابة بالسلب، فإن الديمقراطيين الذين يتطلعون إلى عام 2024 ينبغي لهم القلق ليس فقط من مجرد حدوث فوضى، وإنما التعرض لهزيمة كاملة.
* خدمة «نيويورك تايمز»
TT
هل باستطاعة جو بايدن استعادة شعبيته؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة