أندرو إكسوم
TT

الحرب في أفغانستان... النهاية القاسية

هل كان الأمر يستحق كل هذا العناء؟ لا أقصد الحروب، إذ يكاد يكون من المستحيل بالتأكيد القول إن الحروب كانت تستحق العناء، ولكن ماذا عن خدمتنا فيها؟ هل كان لها أي قيمة؟
في الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، فإن هذا السؤال بات يطارد كثيراً من المحاربين القدامى في الولايات المتحدة، فهل كان أي شيء فعلناه في السنوات التي تلت هذه الهجمات مهماً؟ والأسوأ من ذلك، إذا كانت الحروب في العراق وأفغانستان قد أضرت بالولايات المتحدة أكثر مما ساعدت، فهل مشاركتنا فيها تمثل خيانة للدولة التي تعهدنا بخدمتها؟
لقد كنت ملازماً ثانياً في الجيش الأميركي في خريف عام 2001، وقد تم تشكيل جزء كبير من حياتي منذ ذلك الحين من خلال حروب أميركا الأبدية، إذ شاركت في عمليتي انتشار في أفغانستان، وواحدة في العراق، ثم عدت مرة أخرى إلى كابل مستشاراً مدنياً، وعملت عدة سنوات في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مسؤولاً دفاعياً بارزاً.
وقد دفعت الأسابيع الفوضوية الأخيرة للحرب في أفغانستان الأصدقاء القدامى، من قدامى المحاربين العسكريين وعمال الإغاثة والدبلوماسيين، إلى معاودة الاتصال بي من جديد، حيث كان بعضهم يحاول جاهداً مساعدة الأفغان المعرضين للخطر للخروج من كابل، ولكن أغلبهم كانوا يحاولون فقط فهم ما يحدث، ويحتاجون إلى شخص يتحدثون إليه.
ولقد كنت مثلهم أيضاً، فعندما سقطت أفغانستان في قبضة حركة «طالبان» بسرعة البرق، شعرت بالقلق، ولم أتمكن من قراءة الصحيفة في الصباح ولم أكن حريصاً على مناقشة ما كان يحدث، ولا حتى مع زوجتي أو أفراد عائلتي، لقد حذفت تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي من هاتفي المحمول، وتجنبت مشاهدة التلفزيون، وكان الأشخاص الوحيدون الذين أردت أن أسمع منهم هم أولئك الذين قد يكونون يعانون من المشاعر نفسها التي أعاني منها.
فلم ينتهِ عقدان من الحرب بأي معاهدة استسلام أو بمعركة، بل انتهت كما يقول أحد أصدقائي في البحرية الأميركية، بإشعار بأن المجال الجوي لم يعد يخضع لسيطرتنا.
والآن فقط أصبحنا نستطيع الحصول على صورة أوضح لتكاليف هذه الحرب، فقد أنفقنا تريليونات الدولارات، وهي الدولارات التي ربما أضرمنا فيها النيران داخل كثير من حفر النار التي كانت متناثرة في أفغانستان والعراق، كما ضحينا بآلاف الأرواح بما في ذلك 2461 جندياً أميركياً في أفغانستان، وما يقرب من ضعف العدد في العراق، وهذا لا يشمل أرواح شركاء الولايات المتحدة، أو الآلاف من الأفغان والعراقيين الأبرياء الذين لقوا حتفهم بسبب حماقاتنا.
ولذا فليس من المستغرب أن كثيراً من المحاربين القدامى الأميركيين، بما في ذلك بعض أصدقائي المقربين، ينتقدون هذه الحروب بشدة، فنحن أيضاً نشعر بتخبط بشأن مشاركتنا فيها، ولديَّ أصدقاء نادمون على خدمتهم، ويبدو أنهم عازمون على منع أولادهم من السير على خطاهم، فيما لا يعتقد البعض الآخر أن هذه الحروب كانت تستحق العناء ولكنهم يظلون فخورين بمشاركتهم فيها، وهو ما قد يبدو غريباً بالنظر إلى الطبيعة الوهمية وغير المهذبة لهذه الحروب نفسها.
وأجد نفسي في هذه الفئة الأخيرة، لكنني أمضيت الأسابيع العديدة الماضية أسأل نفسي عن السبب، وبعد معرفة ما أصبحت أعرفه الآن، فلماذا قد أفعل كل هذا مرة أخرى؟ ولماذا، مع معرفة ما سيحدث في الأسابيع والأشهر التي أعقبت 11 سبتمبر، ومعرفة الطريقة التي سيبدد بها قادتي المنتخبون حياة كثير من أصدقائي، سأتخذ القرارات نفسها؟ ولماذا سأشعر بالراحة في حال قرر أولادي يوماً ما خدمة بلادهم، مع خوفي عليهم بالطبع؟
الإجابات التي وصلت إليها تبدو نابعة عن تجربتي الفردية وأيضاً التجربة الجماعية.
لقد نشأت في شرق ولاية تينيسي، التي تظل تقاليد الخدمة العسكرية قوية فيها، ففي عائلة أمي، على الأقل، كان هناك توقع قوي بأن أي شاب قادر جسدياً يجب أن يرتدي الزي العسكري، وقد نشأت كشاب وأنا أرى ميداليات جدي مُعلقة فوق سريري، وأتذكر أنني لم أكن أرغب إلا في ارتداء الزي العسكري.
وما زلت أشعر بالشعور نفسه بعد عقود، وعلى الرغم من أن الأمر يبدو اليوم كأنه أمراً مستحيلاً فإنني في سن 23 عاماً، تم تكليفي بمسؤولية قيادة فصيلة في الجيش، وكان من المتوقع أن أقاتل بشجاعة وذكاء كافيين للعودة إلى البلاد مرة أخرى ومعي جميع الرجال إذا كان الأمر ممكناً.
وقبل عام من الآن، قام رقيب سابق في الفصيلة بزيارتي بتكساس، وتذكرنا تلك المسؤولية المشتركة، وتعجبنا من صغر سننا وعدم نضجنا في ذلك الوقت، حيث كان الضغط الجسدي والعقلي هائلاً علينا، فلدي صورة لي من آخر يوم في نهاية عمليتي الأولى في أفغانستان، والتي أظهر فيها من دون ارتداء قميص، وأبدو هزيلاً، وذلك لأن الأيام التي نقضيها في القيام بدوريات نمشي فيها لمسافات تزيد على 10 آلاف قدم مع تناول وجبة واحدة فقط في اليوم تؤدي لذلك حتماً.
ومع ذلك، كنت أبدو سعيداً، فقد نجوت، كما كنت أقوى، من نواحٍ كثيرة، مما كنت عليه عندما وصلت إلى هناك، وإذا لم تساعد مثل هذه التجارب على تطويري كشخص، فلن يساعدني أي شيء آخر.
وقد كان للحرب التأثير نفسه على كثير من الزملاء الآخرين، لقد تحدثت مؤخراً لعدة ساعات على الهاتف مع صديقة، وهي عاملة إغاثة سابقة قضت عدة سنوات مروعة في أفغانستان ثم عادت إلى الولايات المتحدة، وحصلت على تدريبات جديدة للعمل كممرض، إذ أخبرتني أن تجاربها السابقة في كابل قد جعلتها مستعدة لصدمة جائحة فيروس كورونا المستجد ولمتطلباتها، كما أكدت لي أنها تشعر بالامتنان لتلك التجارب، فقد كانت هذه الحرب أشبه بدق مسامير في أيدينا، ما جعلنا أكثر قدرة على تحمل تحديات المستقبل.
وقد تمثلت إحدى مآسي هذه الحروب في كونها سبباً في قتل كثير من الموهوبين، حيث انتهت حياة كثير من هؤلاء اللامعين في أواخر مرحلة المراهقة، ومع ذلك، فقد كان العمل مع هؤلاء الرجال والنساء والقتال والضحك معهم بمثابة نعمة تستحق الثناء.
وإذا أردنا التخلي عن الخدمة العسكرية بشكل جماعي، فهذا يعني التخلي عن فكرة أميركا نفسها، فلم يكن بلدنا سوى تجربة ديمقراطية، ولم تكن الحربان في العراق وأفغانستان هي المرة الأولى التي تنحرف فيها هذه التجربة عن مسارها ولن تكون الأخيرة، ولكن لكي تستمر التجربة، فإن البلاد تحتاج إلى مواطنين مستعدين للالتزام بها، وذلك حتى عندما يكونون على علم بأن قادتهم المنتخبين قد يتخذون قرارات تنتهي بكارثة.
لقد طُلب مني خدمة بلدي عدة مرات خلال العقود القليلة الماضية، وذلك سواء بالزي الرسمي أو من دونه، وفي كل مرة يكون الأمر مثيراً بصراحة، ففكرة أن تكون جزءاً من هذا المشروع الأميركي الطموح هو أن تكون جزءاً من شيء أعظم وأكبر بكثير منك، وأعلم الآن، بشكل لم أكن أستوعبه تماماً قبل عقدين من الزمان، أن صانعي السياسات الخبيثين يمكن أن يأخذوا خدمتي ويحولوها إلى نهايات غير مثمرة أو حتى قاسية، ومع ذلك فإنني قد أفعل ذلك مرة أخرى، لأن بلدنا يستحق ذلك، وآمل أن يشعر أولادي يوماً ما بهذا الشعور نفسه.

- قائد قوات المشاة الخفيفة خلال ثلاث عمليات انتشار في العراق وأفغانستان من 2001 إلى 2004
- خدمة «نيويورك تايمز»