وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

السبب في البطالة... الجامعات

هذا العنوان يمثل حقيقة، وليس رأياً شخصياً؛ عندما نرى بلداناً كثيرة تحتاج إلى ملايين الوظائف في مجالات جديدة واعدة، في الوقت الذي تشهد فيه هذه البلدان بطالة واسعة، فحتماً اللوم على النظام التعليمي، خاصة الجامعي.
وبما إننا مهوسون -نحن البشر- بالمقارنة، فدعوني أقارن ما يحدث في مجتمعاتنا بما يحدث في الولايات المتحدة التي لدى العقل العربي قناعة تامة بأن التعليم الحقيقي هو الأميركي، ولا يمكن أن يكون المرء متعلماً إلا إذا تعلم في جامعة أميركية، ويؤسفني القول إني رأيت في أماكن العمل التي عملت بها متخرجين من جامعات محلية أفضل بكثير من خريجين جامعات الصف الثاني والثالث في الولايات المتحدة.
عموماً، نشرت مجلة «هارفارد بزنس ريفيو» تقريراً، في مايو (أيار) الماضي، عن عدم قدرة الجامعات الأميركية على توفير الوظائف التي يحتاج إليها سوق العمل هناك. وبحسب دراسة أجرتها سينقيج (cengage)، وتم نشرها في المجلة، فإن عدد الوظائف التي يتم قبول خريجين الجامعات فيها منذ بداية الجائحة هبط بنسبة 45 في المائة، وهذا معناه أن أصحاب الأعمال لا يريدون الاستعانة بخريجين الجامعات.
وبحسب الدراسة نفسها أعلاه، فإن 53 في المائة من الخريجين لم يقدموا على وظائف للمتخرجين حديثاً بسبب عدم ثقتهم بأن مهاراتهم الجامعية مناسبة لهذه الوظائف، بينما 42 في المائة منهم لا يحسون أنهم يمتلكون المهارات المطلوبة ضمن عروض العمل.
الآن، أريد الانتقال إلى هذا الجزء من العالم، حيث نعيش، وبإمكاني القول، بكل ثقة، إن غالبية الخريجين الذين يتخرجون من الجامعات المحلية لدينا ليست لديهم أي مهارات يحتاج إليها سوق العمل، والعيب هنا ليس في الخريجين، بل في الجامعات.
ما الحل إذن في هذه الحالة؟ الحل ليس في إقفال الجامعات، أو إلغاء كثير من التخصصات التي يرى كثير من الطلاب أنها بلا مستقبل. وأولاً، يجب أن يفهم الجميع أن وظيفة الجامعة هي التعليم، وليس التوظيف؛ الجامعة تخلق شخصاً متعلماً لديه مهارات تساعده على التفكير النقدي، وهذا سر النجاح.
التوظيف هذا دور الكليات المتخصصة، والمعاهد التي تقدم درجات علمية مايكرو أو دبلومات متخصصة، وهذه هي التي يعزف عنها الجميع بسبب النظرة الدونية لها، فالكل لا يزال لا يقبل أن يتخرج أبناؤه بدبلوم، أو يعدون ذلك دليلاً على الفشل. الأمر الآخر أن جهات العمل تطلب درجة البكالوريوس في وظائف لا تحتاج إلى هذه الدرجة. مثلاً، كل وظائف الحاسب الآلي لا تحتاج إلى شهادة جامعية، بل شهادات احترافية، لكن الشركات والوزارات تضع سلالم وظيفية بناء على المؤهل الجامعي.
الحل ليس عند الجامعات لأن هذه المؤسسات عبء على أي نظام تعليمي في الغالب، إلا إذا كانت موجهة للبحث والتطوير. والحل ليس عند الشركات في المنطقة لأن أقسام الموارد البشرية يحتاجون إلى إصلاح ثقافي واسع. وليس عند الوزارات لأنها عززت مفاهيم خاطئة. الحل هو بيد المواطن والمواطنة الذين بإمكانهم تنمية مهاراتهم لدرجة لا تسمح لأي أحد بغير قبولهم في العمل، أو تسمح لهم بفتح عمل حر ومشاريع صغيرة تكفيهم الحاجة لكل أولئك البيروقراطيين خلف المكاتب.
ويعد برنامج تطوير القدرات البشرية الذي أعلن عنه بالأمس ولي العهد السعودي تطوراً مهماً، ودليلاً على وعي القيادة بنقاط الضعف في الاقتصاد. ولكن حتى ينجح هذا البرنامج، في نظري، يجب أن يتم تطوير القدرات من خلال مؤسسات أهلية تتنافس في سوق مفتوحة لكسب ثقة المتدرب وتأهيله بالمهارات المناسبة، وهذا سر دخل المؤسسات ونجاح الأفراد.