شارلز ليستر
- زميل ومدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد الشرق الأوسط
TT

أي مستقبل ينتظر أفغانستان والعالم؟

في 31 أغسطس (آب) الماضي، خاطب الرئيس جو بايدن الرأي العام الأميركي والعالم بأسره، مشيراً إلى أن سحب القوات الأميركية من أفغانستان الليلة السابقة يشكل نهاية الحرب هناك. وقال إن قرار فك الارتباط «أفضل قرار لصالح أميركا». وخلال الفترة المقبلة، ستمضي جهود صياغة السياسة الخارجية للولايات المتحدة في إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان.
بطبيعة الحال، كانت هذه تصريحات مدفوعة في المقام الأول باعتبارات سياسية داخلية والرأي العام الأميركي، وليس بحقائق استراتيجية أو رغبة في مخاطبة الرأي العام الدولي. والحقيقة أن الولايات المتحدة نأت بنفسها عن حرب أفغانستان، وتركت وراءها العناصر المؤهلة لسنوات أو ربما عقود أخرى من الصراع.
وخلال الساعات الأربع والعشرين التي سبقت خطاب الرئيس بايدن، سقطت أفغانستان في حقبة جديدة من الشكوك، ذلك أن من يتولى إدارة أمن كابل الآن أحد أكثر المطلوبين لدى الولايات المتحدة، خليل حقاني. وفي خضم ذلك، يحتفل كبار قادة «طالبان» علناً بالنصر، بإحياء ذكرى التضحيات التي قدمها انتحاريون على مدار عقدين. ومن جهتها، أعلنت القيادة المركزية لتنظيم «القاعدة» بداية «مرحلة جديدة» من القتال العالمي. وتوجه مسؤول الأمن السابق لأسامة بن لادن إلى تورا بورا، وسط ضجة كبيرة، برفقة قوة من نخبة المقاتلين.
وبينما تكمن جذور قرار الانسحاب الأميركي في الصفقة المروعة التي أبرمتها إدارة ترمب مع «طالبان»، والتي منحت الجماعة ميزات أكبر بكثير مما أعطته للحكومة في كابل، فإن قرار المضي قدماً في هذا الأمر صدر عن الرئيس بايدن.
والمؤكد أن إعلان الانسحاب الكامل من دون اتفاق بين «طالبان» وكابل خطأ فادح يرقى إلى مستوى التخلي العلني عن حليفنا الأفغاني الذي فقدت قواته أكثر من 50 ألف شخص في حربها أمام «طالبان». وكان قرار سحب المتعاقدين الذين أبقوا القوات الجوية الأفغانية تحلق بمثابة ضربة قاتلة، وبالتالي فإن الانهيار المروع في الروح المعنوية لدى مسؤولي الحكومة أمر متوقع، وإلى حد كبير صنيعة أيدينا.
اليوم، يبدو مستقبل أفغانستان معقداً دونما ريب، وثمة تراجع واسع النطاق في حقوق الإنسان والحريات سيتبع بشكل طبيعي سيطرة «طالبان» على الحكم، خاصة في ظل غياب تحول جذري في المفاهيم الدولية لـ«طالبان». وعليه، فإن أفغانستان تسير ببطء نحو أزمة اقتصادية وإنسانية حادة. فعلى الرغم من أن البلاد لم تشهد موجة نزوح جماعي نحو الدول المجاورة حتى الآن، فإن احتمالية حدوث ذلك ستزداد مع مرور الوقت، ودخول الاقتصاديات الوطنية والمحلية في صراع في مواجهة التضخم، والتراجع المفاجئ في المساعدات والاستثمارات الخارجية.
ويخلق الانهيار الاقتصادي والنزوح الجماعي وحالة الشك الواسعة النطاق بيئة مواتية للتطرف. وفي حين أن «طالبان» سوف تتطلع إلى تعزيز حكمها، وتوسيع نطاق وجودها الأمني في جميع أنحاء أفغانستان، من المرجح أن يسعى تنظيم «القاعدة»، حليفها القديم، إلى إعادة بناء صفوفه بهدوء داخل الأراضي الأفغانية. وكما صرحت القيادة المركزية لـ«القاعدة» قبل ساعات فقط من خطاب الرئيس بايدن في 31 أغسطس، فإن انتصار «طالبان» في أفغانستان لا يمثل مجرد «انتصار»، وإنما بداية «مرحلة جديدة». ولا يمكن بأي حال التقليل من أهمية التطورات الأخيرة من وجهة نظر قيادات «القاعدة» التي جابهت في الفترة السابقة صعوبات غير مسبوقة، لكنها تجد أمامها الآن من جديد الملاذ الآمن الذي استفادت منه منذ أكثر من عقدين.
بالإضافة إلى تنظيم «القاعدة»، ستهدف أعداد كبيرة من الجماعات الأصغر المرتبطة بهذا التنظيم أيضاً إلى تعميق جذورها في أفغانستان، بما في ذلك فصائل من أوزبكستان والصين وطاجيكستان وقيرغيزستان وباكستان وأماكن أخرى. ومع ذلك، فإنه أكثر عن أي جماعة أخرى، قد يكون تنظيم «داعش - خراسان» الأقدر على جني الاستفادة الأكبر من سيطرة «طالبان» على السلطة في أفغانستان.
وبصفته عدواً معلناً لـ«طالبان» و«القاعدة»، فإن تنظيم «داعش - خراسان» يحاول تقديم نفسه على أنه الفاعل الوحيد على الأراضي الأفغانية. وفي الوقت الذي تسعى فيه «طالبان» للحصول على اعتراف دولي بها، من خلال حملة علاقات عامة معقدة، وعقد اجتماعات مع دبلوماسيين أجانب من جميع القوى الكبرى في العالم، وتحرص قيادة «القاعدة» على البقاء بعيداً عن الأنظار إلى حد كبير، يعود تنظيم «داعش - خراسان» إلى الظهور، ويحاول اجتذاب أنصار محتملين.
جدير بالذكر هنا أن المسؤول عن الهجوم الوحشي خارج مطار كابل الذي أسفر عن مقتل أكثر من 170 أفغانياً، و13 جندياً أميركياً، ما يجعله أحد أعنف الهجمات الإرهابية منذ 11 سبتمبر (أيلول)، وأكبر خسارة يتكبدها الجيش الأميركي في ضربة واحدة منذ عقد.
وفي الوقت الحالي، لا تزال إدارة بايدن مدركة للتهديدات الإرهابية في أفغانستان. ومع ذلك، أدت التطورات الأخيرة في أفغانستان إلى شل شبكة الاستخبارات الأميركية المعقدة التي جرى تطويرها في البلاد على مدار العقدين الماضيين. علاوة على ذلك، فإن ادعاء الرئيس بايدن أن التهديدات للأمن الوطني سيجري التصدي لها «في الأفق»، باستخدام الأصول الجوية الموجودة في أماكن أخرى في المنطقة، يثير كذلك قضايا مثيرة للقلق.
يذكر أن الغارتين الأخيرتين على عناصر تنظيم «داعش - خراسان» في ننغرهار وكابل جرت بطائرات من دون طيار أقلعت من دول عربية، وهذا يتطلب ما لا يقل عن 6 ساعات طيران للوصول إلى أفغانستان، ما يترك ما بين 3 و4 ساعات للعثور على الهدف ومراقبته وضربه. وتعني هذه المعادلة أن الأهداف الحساسة للوقت بعيدة المنال، في حين أن توافر الحد الأدنى من وقت المراقبة يزيد من خطر الاضطرار إلى إجهاض الضربة بسبب ارتفاع مخاطر وقوع أضرار جانبية، أو قبول مخاطر أعلى عن حدوث الأضرار الجانبية. ويسلط مقتل 10 مدنيين في غارة أميركية بطائرة من دون طيار في كابل، في 29 أغسطس (آب)، الضوء على هذا التحدي الجديد على نحو مروع.
ووفقاً لما كشفته مصادر حكومية أجنبية مطلعة، بدأ المقاتلون الأجانب في السفر إلى أفغانستان بأعداد كبيرة قبل شهرين على الأقل. أما الوجهة التي يسعون للانضمام إليها، فهي «داعش». وأشار أحد المسؤولين من دولة بجنوب شرقي آسيا إلى أن «كل» الأحاديث التي يجري التنصت عليها داخل الدوائر المتطرفة في المنطقة الآن تدور حول أفضل السبل للسفر إلى أفغانستان للانضمام إلى «داعش». وفي الوقت الحالي، يسافر معظم المقاتلين الأجانب عبر طاجيكستان، حيث يسيطر متعاطفون مع المتطرفين على المعابر الحدودية وطرق التهريب، الأمر الذي ينبغي أن يصبح محط اهتمام دولي كبير للغاية.
- خاص بـ«الشرق الأوسط»