لا أعرف الكثير عن أفغانستان، وهناك أشخاص لديهم معرفة أكثر يمكنهم تفسير أسباب الانهيار المفاجئ للحكومة الأفغانية. وأستطيع أن أقول إن صورة طائرة مروحية عسكرية أميركية تجلي موظفين من السفارة الأميركية في كابل ذكّرتني على الفور وكثيرين من الأميركيين بصور إخلاء السفارة الأميركية في سايغون؛ العاصمة السابقة لفيتنام الجنوبية. وقد أقر المسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بمفاجأتهم لفشل الجيش الأفغاني التام. وكان بايدن صرح في 8 يوليو (تموز) الماضي بأن «طالبان» ليست الجيش الفيتنامي الشمالي، وبأنه لن يتم إخلاء سقف السفارة الأميركية في كابل. من الواضح أن التقييمات العسكرية الأميركية للجيش الأفغاني كانت متفائلة للغاية كما كانت تقديرات الاستخبارات الأميركية. ولكن هل ستدفع إدارة بايدن ثمناً سياسياً باهظاً لفشلها في أفغانستان؟ أشك في ذلك بشدة. لا تنسوا أن دونالد ترمب أعلن أولاً أن الولايات المتحدة ستنسحب في المستقبل القريب من أفغانستان. وأظهر استطلاع للرأي صدر الشهر الماضي عن «مجلس شيكاغو للعلاقات الخارجية» أن 77 في المائة من الديمقراطيين و56 في المائة من الجمهوريين وافقوا على قرار بايدن في أبريل (نيسان) الماضي سحب جميع القوات الأميركية من أفغانستان. من المهم ملاحظة التوازن الوثيق بين الديمقراطيين والجمهوريين. وأظهر استطلاع «مجلس شيكاغو» أن 73 في المائة من الناخبين المستقلين من دون انتماء حزبي سياسي وافقوا أيضاً على قرار بايدن بالانسحاب. ويحتاج الحزبان إلى هؤلاء الناخبين المستقلين في الانتخابات المقبلة. من المهم أيضاً أن نتذكر أن هذا الاستطلاع جاء في أعقاب استطلاع آخر أجرته «منظمة بيو للأبحاث» في أبريل الماضي وأظهر أن 20 في المائة فقط من الأميركيين يعتقدون أن تعزيز الديمقراطية في الخارج أولوية، وأن 34 في المائة فقط يعتقدون أن تعزيز حقوق الإنسان في الخارج أولوية. وأظهر استطلاع لـ«مجلس شيكاغو» في سبتمبر (أيلول) الماضي أن المواطنين الأميركيين لديهم مخاوف أكبر حول حماية الوظائف من المنافسة الأجنبية، وصعود الصين، وخطر الأوبئة، من قلقهم بشأن الإرهاب الدولي.
وبصرف النظر عن الرأي العام، فإن كثيرين في مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية يشعرون بالغضب من بايدن ويساورهم القلق بشأن مصير الأفغان الذين عملوا مع الغرب لتحسين احترام حقوق الإنسان في أفغانستان، أو إنهم قلقون بشأن الهجمات الإرهابية الجديدة الناشئة من أفغانستان. غير أن بايدن صرح خلال مؤتمر صحافي في 14 أغسطس (آب) الحالي بأن الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان لسنة أو لخمس سنوات أخرى لن يحدث فارقاً في النتيجة النهائية إذا رفض الجيش الأفغاني القتال. ويتفق معه أغلب الأميركيين خارج واشنطن. لقد شاهدنا جميعاً صوراً لمخازن ضخمة من المعدات الأميركية التي استولت عليها «طالبان» عندما فر الجنود الأفغان من دون قتال. وأشار بايدن إلى أن الأميركيين قد أنفقوا تريليون دولار على الحرب في أفغانستان، ومع ذلك؛ فإنه لا يوجد أي مؤشر على فوز الحكومة الأفغانية. وتؤكد مؤسسة السياسة الخارجية التقليدية أن المؤسسة العسكرية الأميركية كان من الواجب عليها أن تظل في أفغانستان إلى ما لا نهاية. وطبقاً لهذا التفكير؛ فإن تكاليف حرب أفغانستان بالنسبة للخزانة الأميركية لم تكن أضخم مما ينبغي، ولم يسقط في الاقتتال في عام 2020 سوى جندي واحد. لقد كان هدف بايدن يتمثل في أن الوضع بأفغانستان لم يتحسن، وأن البلاد تتجه نحو هجوم رئيسي آخر من قبل «طالبان» وإلى حرب أهلية جديدة. ولسوف يضطر الأميركيون عاجلاً أو آجلاً إلى الاختيار بين التصعيد العسكري ومزيد من الخسائر القتالية أو الانسحاب. واختار بايدن الانسحاب. لقد فازت «طالبان» ببساطة بسرعة أكبر مما توقعها البيت الأبيض.
كنت طالباً بالثانوي في كولورادو خلال أبريل 1975، وشاهدت في التلفاز المروحيات الأميركية على سطح السفارة الأميركية في سايغون. وأذكر أيضاً أن حاملات الطائرات الأميركية بالقرب من الساحل الفيتنامي اضطرت إلى إلقاء طائرات مروحية في البحر لإفساح المجال لطائرات صغيرة تحمل لاجئين فيتناميين إلى حاملات الطائرات. ومثلها كمثل إدارة بايدن وكابل، كانت النهاية في سايغون كارثة ناجمة عن سوء التخطيط. ولكن سرعان ما تحول رد الفعل الشعبي الأميركي إلى نوع من عدم الاكتراث بمصير جنوب فيتنام. كان الشعب الأميركي سعيداً بإنهاء الحرب في فيتنام. بعد عام من الانهيار في سايغون، لم تكن الحملة الرئاسية في فيتنام عام 1976 تشكل قضية مهمة (ولكن ما حدث بدلاً من ذلك هو أن المنافسة بين جيمي كارتر وجيرالد فورد ركزت على فساد فضيحة «ووترغيت»). والآن تعلو الأصوات المنتقدة قرار بايدن من قلة من الجمهوريين، ولن يصوتوا أبداً للديمقراطيين في أي حال من الأحوال. من الناحية السياسية؛ يبدو قرار الانسحاب أكثر أماناً بالنسبة للديمقراطيين والناخبين المستقلين الذين هم أكثر قلقاً بشأن الوباء والاقتصاد والصين. لن يدفع بايدن ثمناً سياسياً كبيراً لفوضى كابل ما لم يكن هناك هجوم إرهابي جديد وكبير على الأراضي الأميركية من الشرق الأوسط تعود به قضية الإرهاب الدولي مجدداً إلى أذهان الناخبين.
* خاص بـ«الشرق الأوسط»