تونس لم تعد تحتمل ارتداء ثوب حركة «النهضة» أكثر من ذلك. بلغ السيل الزبى. لم يعد القاموس الآيديولوجي مناسباً لشعب عاشق للثقافة والسياحة والحرية والحضارة.
العاصمة التي أطلقت شرارة ما يسمى الربيع العربي عام 2011، هي العاصمة نفسها التي أعادت حساباتها ليلة 25 يوليو (تموز) عام 2021.
المعادلة اختلفت، عشر سنوات مضت كافية لكشف زيف وحقيقة تنظيم دولي ارتهن مقدرات الشعوب العربية من أجل تحقيق أهدافه ومخططاته وأدواره الوظيفية.
سقطت أوراق التوت ولم تستطع حركة «النهضة»، الاستمرار في تطبيق مفهوم «التقية» السياسية. افتضح أمرها مبكراً. تحطمت مؤامراتها وتكشفت خططها لدى أجهزة الأمن التونسية.
المعلومات خطيرة، والاجتماعات السرية أكثر خطورة. الشعب التونسي تحرك في الوقت المناسب. قرارات الرئيس قيس سعيد وضعت الدولة على جهاز التنفس الصناعي قبل أن تصاب بسكتة إخوانية كادت تقود إلى وفاة ما تبقى من الدولة التونسية. المخاطر على تونس جاءت بعلم الوصول أمام العالم؛ الحكومة السابقة، كانت تمهد الطريق لمرحلة جديدة من الفوضى داخل المنطقة عبر المنصة التونسية، فقد وضعت خطة لعرقلة الرئيس التونسي عن اتخاذ أي قرارات إصلاحية تصبّ في المصلحة العامة للدولة، وما خفي كان أعظم. الوثائق والمعلومات التي تكشفت لدى أجهزة الأمن التونسي تقول إن هناك ترتيبات لإرباك المشهد في الداخل التونسي، ومن ثم انتشار ألسنة اللهب إلى الجوار الذي لا يحتاج إلى مزيد من سكب الزيت على النار.
مفكرة شركاء الفوضى مليئة بالسيناريوهات الظلامية التي تستهدف العودة إلى مربع يناير (كانون الثاني) 2011، فهؤلاء يرون أن ذلك هو السبيل الوحيد لإعادة التموضع من جديد وإعطائهم قُبلة الحياة، ظنوا أن تونس من الممكن أن تكون نقطة انطلاق لتحقيق هذا المخطط. خابت توقعاتهم. أداؤهم الفاشل فضح نياتهم. الجماعة تصلح لممارسة الإرهاب لكنها لا تؤتمن على مصالح الشعوب. قالت تونس كلمتها. التفّ الشعب حول الرئيس. انطلق قطار استعادة الدولة الوطنية التونسية. لا توجد مقاعد سوى للوطنيين المخلصين من أبناء تونس. عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء. اللعبة صفرية، إما تونس وإما الفوضى والتخريب.
الشعوب تعلمت الدرس: الدولة ثم الدولة أولاً. الخلاص من هذا التنظيم الإرهابي إرادة لا رجعة فيها. تونس لن تقبل هيمنة الإخوان على مفاصل الدولة. الرسالة وصلت إلى من يهمه الأمر. ولكل فاسد يوم.
جاء يوم فساد إخوان تونس. المعلومات التي أمام الرئيس التونسي أصابت الرأي العام بالصدمة. المتاجرون بالدين والوطن لا يهمهم سوى جمع المليارات ولا عزاء للشعارات الكاذبة. القضاء سيقول كلمته. الأرض تهتز تحت هذا التنظيم الدولي للإرهاب. «حركة النهضة» باتت خارج حسابات المستقبل في تونس. الرفض قاطع من الشعب على اختلاف أطيافه. الخسائر طالت الجميع. لم ينجُ أحد من الانهيار الاقتصادي بعد أن تجاوزت الديون التونسية مائة في المائة من الناتج المحلي وبلغ معدل البطالة 18%، وتراجع معدل النمو إلى أقل من الصفر، ولم تفلح أي محاولات لتصحيح معدلات التضخم التي بلغت مستويات غير مسبوقة. تونس لم تعد هي تونس التي عرفناها قبل عقد مضى. جائحة «كورونا» كشفت العورات، والانهيار الاقتصادي قاد إلى انهيار المنظومة الصحية، ودقت مؤشرات الصحة العالمية ناقوس الخطر. تونس تصدرت قائمة الإصابات والوفيات في أفريقيا والمنطقة العربية، والأوضاع الاقتصادية باتت في منتهى السوء، وازدادت الصورة قتامة. مستوى الأداء السياسي يزداد فشلاً. حركة «النهضة» وشركاؤها في الحكم يتبنون مبدأ المغالبة لا المشاركة، وإقصاء الكفاءات والسيطرة على جميع مفاصل مؤسسات الدولة. التنظيم السرّي لحركة «النهضة» وضع خطة لاختطاف الدولة التونسية من هويتها وتاريخها، عبر اختيار مسؤولين أثبت جهاز المعلومات تورطهم في ملفات فساد كثيرة.
التنظيم السرّي تلطخت أياديه بدماء التونسيين بدعمه للتنظيمات الإرهابية التي قتلت رموزاً عديدة من بينهم شكري بلعيد ومحمد البراهمي، هذا فضلاً عن التحالف مع التنظيمات الإرهابية الأخرى كافة في تونس، والتي استهدفت الشرطة والجيش التونسي. هذان المساران الفاشلان اقتصادياً وسياسياً عجّلا بضرورة وحتمية الخلاص. ربما يتساءل البعض عن مدى انعكاس الحاصل في تونس على الواقع العربي والإقليمي والعالمي، التساؤل منطقي، فما يحدث في تونس الآن قطعاً سيكون له بصماته الإيجابية على واقعنا العربي، فالخلاص من هذا الوضع في تونس، يشكّل ضربة قاصمة للتنظيم الذي حاول إحياء نشاطه في المنطقة العربية، بعد آخر ضربة فاصلة تعرّض لها في 30 يونيو (حزيران) عام 2013.
إنها شهادة وفاة للمشروع الإخواني الذي اندلع عام 2011 ورسالة إلى جميع العواصم العربية بضرورة المضي قدماً في مواجهة وتجفيف منابع هذه الجماعة، وأنه رغم وجودها طويلاً في تونس فإن الشعب التونسي استطاع أن يُخرجها من معادلات الحكم، وأن يستعيد مؤسساته الوطنية ويعلن رفضه القاطع لأن تكون تونس مجرد ولاية لمشروع ظلامي عابر للحدود، الانعكاسات قطعاً ستكون إيجابية لتحقيق الأمن والاستقرار والحفاظ على الأمن القومي العربي.
اللافت للنظر أيضاً أن ما يحدث في تونس سيكون له بالغ الأثر على الصعيد الدولي، لا سيما أن أوروبا أدركت في الآونة الأخيرة خطورة هذا التنظيم الدولي على الأمن والاستقرار في أوروبا، وبدأت الماكينات التشريعية في ألمانيا وفرنسا والنمسا وهولندا في إصدار القوانين التي تكافح الوجود الإخواني على الأراضي الأوروبية، بعد أن كشفت التقارير الاستخباراتية الأوروبية عن تورط هذه الكيانات الإرهابية، وبخاصة الإخوان، في ارتكاب ودعم وتمويل كثير من العمليات الإرهابية التي شهدتها القارة في الآونة الأخيرة. هذا التوجه الأوروبي بمثابة حصار جديد لهذا التنظيم الدولي، ومن ثم فإن إسقاط الإخوان من المعادلة التونسية سوف يصبّ في صالح الأمن القومي الأوروبي. كل هذه المتغيرات المتلاحقة والسريعة في المشهد التونسي تقول إن تونس على الطريق الصحيح، وإنها ماضية بعزيمة وإرادة شعبها على استعادة هوية الدولة الوطنية، واستكمال تحقيق الاستقلال الثاني الذي بدأت ملامحه يوم الخامس والعشرين من يوليو الماضي.
8:14 دقيقه
TT
تونس... إلى أين؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة