البروفسورة مها الرباط والدكتور ديفيد نابارو والدكتور جون نكينغاسونغ والدكتورة ميرتا روزس والبروفسور سامبا سو والدكتورة باليثا أبيكون
TT

لمواجهة «كوفيد ـ 19» نحتاج إلى اتباع نهج من مسارين لإنقاذ الأرواح

يشهد العالم ظهور متحوّرات لفيروس «كورونا - سارس - 2» أكثر تسبباً في العدوى من سابقاتها، لكن هناك في المقابل تعثر في وتيرة ضمان إتاحة اللقاحات على نحو منصف، إذ إن قلة قليلة من البلدان بلغت مراحل متقدّمة وتوفر التمنيع لسكانها، تاركة وراءها الكثير من سكان العالم الضعفاء.
وتكابد المجتمعات المحلية نفاد الصبر والإرهاق، وهو أمر مفهوم. غير أن التخفيف من تدابير الصحة العامة، مثل ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي، قد يؤجج انتشار الفيروس. وبالاقتران مع ظهور متحوّرات جديدة أكثر عدوانية من سابقاتها وسلوك «أنا أولاً» الذي تتبعه بعض البلدان، يواجه الأفراد الذين لم يحصلوا على اللقاح ومن حصلوا على جرعة واحدة فقط من اللقاح، مخاطر متزايدة.
لقد وصل العالم إلى منعطف خطير، وندعو نحن، المبعوثين الخاصين للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إلى تجديد الالتزام بنهج شامل لدحر هذه الجائحة. علينا أن نسرع الخطى على مسارين: مسار تدعم من خلاله الحكومات ومصنعو اللقاحات جميعَ الدول الأعضاء في المنظمة في جهودها الحثيثة نحو بناء قدرات على تصنيع اللقاحات وتطعيم أضعف فئاتها السكانية، ومسار يحافظ من خلاله الأفراد والمجتمعات المحلية على التركيز الصارم على مواصلة تدابير الصحة العامة الأساسية لكسر سلاسل الانتقال.
ويقتضي المسار الأول التنفيذ الفوري للنداءات المتكررة التي وجهتها المنظمة وشركاؤها في مرفق «كوفاكس» بشأن الاستخدام الأمثل للقاحات. فقد وُزع في العالم نحو 3 مليارات جرعة من اللقاحات لم يوزّع منها عن طريق مرفق «كوفاكس» سوى 90 مليون جرعة. وهناك 60 بلداً على الأقل تعتمد على مرفق «كوفاكس» في الحصول على اللقاحات ولا تتجاوز معدلات التطعيم في هذه البلدان نسبة 3% في المتوسط. ويجب على العالم أن ينفّذ، على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، استراتيجية تقضي بتطعيم الفئات الأضعف أولاً، بدلاً من ترك العاملين الصحيين وكبار السن ومن يعانون من أمراض كامنة عُرضة للإصابة بمرض وخيم.
ويشمل هذا المسار أيضاً دعم نداء المنظمة بتطعيم 10% على الأقل من سكان كل بلد بحلول سبتمبر (أيلول)، وحشد الهمة حتى ديسمبر (كانون الأول) لتطعيم 40% من السكان بحلول نهاية عام 2021، ويعني تحقيق هدف سبتمبر تطعيم 250 مليون شخص إضافي في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في غضون أربعة أشهر فقط، مع إعطاء الأولوية لجميع العاملين الصحيين وأكثر الفئات عرضة للخطر، سعياً لإنقاذ الأرواح.
ويتوافق هذان الهدفان مع المبادرة الجريئة التي اتخذتها المنظمة وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي، بالدعوة إلى تخصيص مبلغ إضافي قدره 50 مليار دولار لتطعيم 40% من سكان العالم بحلول نهاية العام و60% بحلول منتصف عام 2022، ويبدو هذا الاستثمار هزيلاً بالمقارنة مع تريليونات الدولارات من الخسائر الاقتصادية والتكاليف المرتبطة بالجائحة.
وتواصل المنظمة العمل على إتاحة لقاحات وأدوات أخرى مأمونة وفعالة للعالم، بدءاً من إدراج ثمانية لقاحات حتى الآن في قائمة الاستعمال في الطوارئ، وإطلاق مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة «كوفيد - 19» للتحفيز على تطوير وإتاحة الحلول اللازمة لتشخيص وعلاج وتطعيم الفئات الضعيفة في جميع البلدان، وصولاً إلى تمكين البلدان النامية من بناء قدراتها الخاصة في مجال تصنيع اللقاحات. والاستثمار في قدرات التصنيع والتشخيص، وقدرات تحديد متواليات الفيروس، وزيادة ترصد الحالات والتدابير الأخرى... كلها أمور ضرورية لمكافحة هذه الجائحة.
وينبغي للبلدان التي لديها أكبر المخزونات من اللقاحات ألا تحتكرها وتدفع في اتجاه تغطية كامل سكانها، بينما هناك بلدان أخرى محرومة من اللقاحات. فذلك لا يخدم حتى مصلحتها الفضلى، لأن احتدام انتشار الفيروس في البلدان التي ليست لديها لقاحات يزيد من احتمال ظهور متحورات أخطر وأكثر قدرة على الانتقال تهدد بتقليل فاعلية اللقاحات الحالية.
وفي الوقت ذاته، يجب على العالم ألا يغفل المسار الثاني الذي يقتضي من جميع الأفراد تجديد التزامهم بحماية أنفسهم وحماية غيرهم بمواصلة التقيد بارتداء الكمامات، والتباعد الجسدي، والتهوية والإجراءات الأخرى التي ثبتت فاعليتها في احتواء انتشار الفيروس. كما أن التواصل مع المجتمعات المحلية، وبناء الثقة وتمكين الأفراد ليشعروا بأنهم جزء من الاستجابة، كلها عوامل ضرورية لتحفيز الأفراد على المثابرة حتى بعد مرور عام على الجائحة.
إنه نداء عاجل من أجل إنقاذ الأرواح، يمليه الواجب الأخلاقي على العالم. فالتضامن العالمي بات مطلوباً اليوم أكثر من أي وقت مضى -حتى وإن كان مدفوعاً بمصلحة أنانية غايتها وقف ظهور متحورات جديدة. ومن خلال الدعوة إلى نهج من مسارين لضمان تطعيم الفئات الأضعف والتقيد بتدابير الصحة العامة السليمة، ومن خلال دعوة من يستطيعون فعل المزيد، يمكن للعالم بأسره أن يستفيد وينقذ الأرواح. فلن يكون أحد في مأمن ما لم يكن الجميع في مأمن.