تحتاج حملة الاتحاد الأوروبي على الوقود الأحفوري إلى إعادة التوزيع والابتكار والاستثمار لتجنب عودة حركة السترات الصفراء الاحتجاجية.
وقد كانت التجارة في الفحم والصلب بمثابة القوة التي أدت إلى صياغة أسس الاتحاد الأوروبي لسنوات كثيرة. والآن، تريد الكتلة الأوروبية قيادة العالم فيما يتصل بالمسؤولية عن المناخ، بالاستعانة بمجموعة وافرة من المقترحات؛ من توسيع نظام مقايضة الانبعاثات إلى حظر السيارات العاملة بالوقود الأحفوري من أجل الوصول إلى هدفها في عام 2050، المتمثل في الحياد الكربوني. ولكن على الرغم من كل الرؤى الطموحة، فهناك قدر من الهواجس المبررة التي قد تؤدي إلى تخلف أصحاب المصلحة الأصليين في المشروع الأوروبي، كما استشهد بهم جان مونيه حين قال: «عامل المنجم في مكانه، وعامل الصلب في صناعته، والجموع العريضة من المستهلكين» سوف يتخلفون عن الركب في هذه العملية.
التغيير سوف يكون «قاسياً للغاية»، كما عبر عن ذلك فرانس تيمرمانز، مسؤول السياسة المناخية الأعلى في الاتحاد الأوروبي، ولكنه سوف يكون أكثر صعوبة بالنسبة لهؤلاء الذين هم في أسفل سلم الدخل؛ إن السياسات المصممة لرفع أسعار الكربون، ودفع المستهلكين نحو خفض الانبعاثات، سوف تؤثر في كل شيء، بداية من أسعار الرحلات إلى تكاليف فواتير تدفئة المساكن. ووفقاً لتقييم التأثير الخاص بالاتحاد الأوروبي، فإن هذه التكاليف تعد كبيرة للغاية بالنسبة لأصحاب الدخول المنخفضة الذين يُقدر - على نحو يدعو إلى السخرية - أنهم أقل المسؤولين عن تلوث الكربون المضاف إلى الغلاف الجوي منذ عام 1990.
كذلك فإن سبل العيش صارت على المحك. وحتى إذا كان مستقبل الانبعاثات الصفرية يعد بفرص جديدة في قطاعات مثل السيارات الكهربائية أو البناء الموفر للطاقة، فإنه يدمر الوظائف القائمة على الكربون على طول الطريق. ويُقدر تقييم التأثير الخاص بالاتحاد الأوروبي خسارة إجمالية قدرها 494 ألف وظيفة بحلول عام 2030. قد لا يبدو هذا كثيراً، ولكن نظراً لتركيزه في قطاعات مثل الفحم، فإن ثمة مناطق بأكملها سوف تتأثر بتلك الصدمات. ولقد ظهر تأثير التحول الكهربائي على قطاع السيارات بشكل واضح بالفعل، وهو الذي يمثل نحو 3 ملايين وظيفة في قطاع التصنيع في أوروبا.
لقد بدأ الحديث بالفعل حول أفضل السبل لتخفيف الصدمة، تماماً كما بدأت عملية مساومة مطولة بشأن التسويات السياسية بين الأحزاب السياسية والدول الأعضاء. ويحذر السياسي باسكال كانفان، العضو في حزب الخضر الفرنسي، من احتمال عودة حركة السترات الصفراء، وهي حركة الاحتجاج الفرنسية التي اشتعلت شرارتها جزئياً بسبب زيادة الضرائب على الديزل في عام 2018.
ومن بين السبل الواضحة للحد من التدمير الخلاق الذي أحدثته القواعد المناخية الكاسحة إعادة توزيع النقود على الفئات الضعيفة. فقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن إنشاء صندوق المناخ الاجتماعي لتنفيذ مقترحاته السياسية التي بلغت نحو 72 مليار يورو على مدى 7 سنوات، بتمويل 25 في المائة من العائدات المتولدة من مقايضة الانبعاثات لوقود البناء والنقل البري. وهذه ليست بعيدة للغاية عن نسبة 33 في المائة التي اقترحتها مؤسسة «فيفيد إيكونوميكس» الاستشارية في العام الماضي، عبر دراسة توضح مخططاً لكيفية التخفيف من آثار ضريبة الكربون المحتملة. ويحسب البروفسور كريستيان جوليه، من كلية تولوز الفرنسية للاقتصاد، فإن المساعدات المقدمة لأصحاب الأجور المتدنية، وتخفيض مساهمات التأمين الوطني، من شأنهما أن يزيد من الدعم المقدم للعمل المناخي.
وليس من شأن هذا أن يؤدي من تلقاء نفسه إلى القضاء على توقعات رفع الأسعار لمن هم أقل قدرة على تحملها. كما لن يخفف هذا من الآلام التي قد تتحملها البلدان التي من المقرر أن تصبح وظائفها قديمة في الأعوام المقبلة.
ومن بين أدوات السياسة الإضافية التي يتعين علينا أن نأخذها في الاعتبار إعادة تدريب وإعادة بناء قوة العمل الضعيفة في أوروبا، وهو الأمر الذي لم يحصل بعد على الدعم المالي والموارد اللوجيستية التي يستحقها. والواقع أن المحاولات السابقة التي بذلها الاتحاد الأوروبي لإعادة تدريب العمال العاطلين عن العمل من خلال «صندوق ضبط العولمة» قد حققت نجاحات متفاوتة، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى حجمه المحدود ومعاييره المقيدة. وينبغي لحزمة السياسة المناخية أن تشجع التحركات الأكبر حجماً والأكثر جرأة، لا سيما في ضوء طموح الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تمويل الوظائف، وتشجيع الاستثمار في قطاعات مثل بطاريات السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات.
والعامل الآخر المعتبر هو الإبداع والاستثمار الذي من شأنه تفادي المخاطر المترتبة على دفع الحكومات إلى اختيار الفائزين على مدى العقد المقبل (وهو ما لم ينجح حتى الآن). والفوز المزدوج هنا سوف يؤدي إلى خفض أسعار المستهلكين نتيجة للتحول بعيداً عن الأنشطة التي تستخدم الكربون بكثافة، أو «المكافأة الخضراء» كما أطلق عليها مؤخراً لاري فينك، رئيس شركة «بلاك روك»، مع خلق فرص العمل في خضم هذه العملية.
وهذا لن يحدث من الفراغ، وسوف يتطلب توفير الأدوات المحفزة للقطاع الخاص. ومن بين الأفكار المشجعة هنا «السندات الانتقالية»، وهي نوع جديد من الديون التي تقدمها الشركات للمساعدة في تمويل الجهود الرامية إلى خفض الانبعاثات. وبدءاً من مايو (أيار) الماضي، كانت عمليات جمع الأموال هذه قد بدأت بداية بطيئة، وأدى غياب المعايير الواضحة إلى إثارة القلق بشأن «الإفراط بغرض الانتقال»؛ أي المبالغة في الالتزامات بالتصدي للتغيرات المناخية. ولكن لا يزال هناك كثير من التفاؤل بأن تمويل الانتقال يمكن أن يساهم بما يصل إلى تريليون دولار، وحتى 3 تريليونات دولار سنوياً، وهو المبلغ المطلوب لبلوغ الأهداف المناخية بحلول عام 2050. فبعد أن يكون عامل المنجم في مكانه، وعامل الصلب في مصنعه، إلى جانب المستهلك، فإن مستثمر السندات قد يكون هو المقياس لمستقبل المناخ في الاتحاد الأوروبي.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:37 دقيقه
TT
كيف نتأكد أن الحرب المناخية لن تصير حرباً طبقية؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة