د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

الرغبة والهرمون الخفي!

ماذا سيحدث للبشر لو توقف «الدوبامين» في أجسادهم؟ وللإجابة عن هذا التساؤل كالعادة بحث العلماء عن ضالتهم في فئران التجارب، ليعرفوا كيف يمكن أن تتأثر يومياتهم وعاداتهم، فوصّلوا أقطاباً في أدمغة الفئران، لمنع إفراز الدوبامين (هرمون السعادة وغيرها). هنا كانت المفاجأة بأنها فقدت الرغبة في الحياة وامتنعت عن تناول الطعام، وممارسة عاداتها اليومية بشكل اعتيادي. والأسوأ أنها فارقت الحياة من شدة العطش، كان ذلك في دراسة شهيرة عام 1954 للعالمين جيمس أولدز وبيتر ميلنر.
لم تكف المحاولات في فهم هذا الناقل العصبي (الدوبامين) الذي يمكّن العلماء من تتبع لحظات «التوق» التي تنتابنا علاوة على مشاعر السعادة. فجاء علماء آخرون بالفكرة نفسها، لكنهم وضعوا محلولاً سكرياً في أفواه الفئران المحرومة من الدوبامين. فارتسمت ملامح الاستمتاع على وجوهها، رغم غياب الدوبامين. ما اكتشفه العلماء أن الشعور بالمتعة (الاستمتاع) هو موجود فينا، حتى ولو منع إفراز الدوبامين في أجسادنا لكن غياب هذا الهرمون «يميت الرغبة» في الإقبال على الحياة ومباهجها. ومن دون وجود الرغبة تتوقف محاولات عديدة في هذه الحياة.
والمفارقة أن هناك العديد من الأفراد لديهم «المقدرة» لكن تنقصهم «الرغبة» الحقيقية في إحداث تغيير جذري في محيطهم، كإداراتهم وحياتهم وإنجازاتهم. بل حتى البلدان منها ما يعج بالقدرات والثروات الطبيعية لكن الرغبة معطلة... وتعطيل الرغبة يعطل تحقيق الأهداف.
وكان يعتقد، حتى وقت قريب، بأن الدوبامين مرتبط بالسعادة فقط، لكن تبين أنه مرتبط في الكثير من العمليات ذات الصلة بالحركات الإرادية، والتحفيز، والتعلم، والذاكرة، والعقاب، والتحاشي. فقد بنيت أجسادنا على أن تتكيف مع التعلم والتذكر، لكننا حينما تغيب الرغبة نندب حظنا العاثر وننسى أن الحظ هو نقطة تلاقي الاستعداد (الرغبة) مع الفرصة. فالفرص عديدة لكن كثيراً منا لم يكن مستعداً لتلك الفرصة السانحة. فكم من فرصة استثمارية أو عقارية أو تجارية أو علمية مرت من أمامنا لكننا لم نكن مستعدين لها. وفي ذلك تعطيل لقدرات بشرية كامنة لو وضعت في مكانها الصحيح لصار حالنا أفضل. المشكلة ليست في غياب الهرمون الدافع، بل المعضلة الحقيقية في غياب الرغبة الجادة للتغيير.