خليل رشاد
كاتب ومحلل سياسي مصري
TT

خطاب نتنياهو أمام الكونغرس

هل حقق خطاب نتنياهو في 3 مارس (آذار) الحالي أمام الكونغرس نجاحا؟ هل حقق هدفه المنشود؟ هل نجح في التأثير على المفاوضات الجارية بين مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وألمانيا من جهة وإيران من جهة أخرى؟ هل نجح نتنياهو في التأثير على المناخ السياسي في إسرائيل، بحيث يتمكن من الفوز برئاسة الوزراء للمرة الرابعة؟ في الواقع، أرى أن نتنياهو فشل تماما على جميع الأصعدة، لكنه نجح في أمر واحد فقط، هو تنظيم حملة كبرى للاستفادة من النظام الإيراني!
هناك حكمة فارسية تقول: «الهجوم القوي الذي لا يقتلك سيزيدك قوة»! وأعتقد أن نتنياهو متحدث موهوب وبارز. واللافت للنظر تخصيصه ورقة كاملة لكل عبارة حملها خطابه! كما يعي نتنياهو جيدا كيفية التلاعب بنبرة صوته، حيث يتعمد رفع هذه النبرة وخفضها مثل أمواج البحر، بجانب تمتعه بلغة أنيقة ورصينة. ومع ذلك، فإن خطابه اتسم بعيوب خطيرة، على رأسها افتقاره إلى التناغم، بمعنى أنه إذا حاولنا رسم صورة بالاعتماد على خطابه، فإننا سنحصل في النهاية على صورة كاريكاتيرية فاترة. وإذا نظرنا لعباراته كوحدات بناء، فسنجد أننا في النهاية عاجزين عن استخدامها في بناء غرفة.
ودعوني أستعرض أمامكم آراء شخصيات مهمة داخل أميركا من الكونغرس في ما يخص الخطاب. فقد انتقدت السيناتورة باربرا بوكسر (من الحزب الديمقراطي)، وهي عضو يهودي بمجلس الشيوخ وأحد من يتمتعون بعلاقات طيبة مع الجماعات الموالية لإسرائيل، ما وصفته بـ«المنطق الدائري» في خطاب نتنياهو. وقالت بوكسر: «بدا وكأنه يقول إنه ليس هناك من سبيل بأي صورة من الصور للثقة في إيران قط، وهو ما يبدو لي بمثابة تأكيد على عدم إمكانية إبرام اتفاق مع إيران، ثم بعد ذلك قال: (حسنا، لماذا لا تعملون على محاولة الوصول لاتفاق أفضل؟)». وأضافت: «لا أدري معنى ما يقول: هل ينبغي أن نعمل على الوصول لاتفاق أفضل أم ينبغي أن نوقف المفاوضات عند هذه اللحظة؟.. لم يكن من المفيد عند هذه النقطة انتقاد اتفاق لم يتم الانتهاء منه بعد. ويعني ذلك أن خطاب نتنياهو يعاني افتقاره إلى المنطق».
أما النائب جون يارموث (الحزب الديمقراطي)، وهو عضو يهودي بمجلس النواب، فأشار لاندلاع معارك تتعلق بالأمن الوطني، متهما نتنياهو بـ«محاولة نشر الخوف» عبر خطاب «مستوحى مباشرة من كتاب إرشادات ديك تشيني».
كما حمل وجه نانسي بيلوسي (الحزب الديمقراطي)، زعيمة الأقلية داخل مجلس النواب، امتعاضا خلال جزء كبير من إلقاء الخطاب، وغادرت القاعة قبل نتنياهو، من دون تحيته. ولاحقًا، قالت إنها شعرت بالإهانة جراء هذا الخطاب. وفي بيان لها، قالت بيلوسي إنها «أوشكت على البكاء» على امتداد جزء كبير من الخطاب، وإنها «حزنت لإهانة استخبارات الولايات المتحدة».
كما أعربت سوزان رايس، مستشارة الأمن الوطني الأميركي، عن اعتقادها بأن خطاب نتنياهو كان مدمرا لمجمل العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. والملاحظ أن هذه الكلمة الحساسة - «مدمر» - استخدمها أيضا مئير داغان.
داخل إسرائيل، نواجه حكمين غريبين، يتعلق كلاهما بأمن وسلامة إسرائيل كنظام، ومستقبل شعبها. في خطابه، أصر نتنياهو على أن خطابه ليس سياسيا! وقال: «جئت هنا اليوم لأنني كرئيس لوزراء إسرائيل أشعر بواجب عميق حيال ضرورة أن أتحدث إليكم بخصوص قضية قد تهدد بقاء بلادي ومستقبل شعبي، وهي سعي إيران لامتك أسلحة نووية».
على الجانب الآخر، حث الرئيس السابق للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) الناخبين على إسقاط نتنياهو في الانتخابات العامة المقبلة، متهما إياه بتعريض أمن البلاد للخطر، مما يدفع إسرائيل نحو كارثة بسبب موقفه من البرنامج النووي الإيراني.
يذكر أن مئير داغان، منذ تنحيه عن رئاسة «الموساد» عام 2011، كان من المقرر أن يشارك كمتحدث رئيسي في مسيرة في تل أبيب، تحديدا ميدان رابين، في 7 مارس الحالي، تدعو لتغيير النظام للتخلص من رئيس الوزراء. وترفع المسيرة شعار: «إسرائيل تريد التغيير!» («هآرتس»، 6 مارس 2015).
وفي نقد فج وقوي لأسلوب نتنياهو في القيادة، قال داغان خلال مقابلة مطولة أجرتها معه صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن سياسات رئيس الوزراء «مدمرة لمستقبل وأمن إسرائيل». وأضاف «نحن الآن عند نقطة محورية تتعلق بوجودنا وأمننا. وموقعنا داخل العالم ليس بالمثالي الآن، فقد عادت النقاشات حول مسألة شرعية إسرائيل. ولا ينبغي أن نضر بعلاقاتنا بأهم أصدقائنا. وبالتأكيد ينبغي تجنب حدوث ذلك علانية، وقطعًا علينا تجنب التدخل في الشأن السياسي الداخلي لهذا الصديق، فهذا ليس سلوكا مناسبا من رئيس وزراء».
كما أصدر داغان حكما آخر مهما للغاية بخصوص نتنياهو، حيث ذكر أن نتنياهو رائع عندما يتعلق الأمر بمجرد الحديث، لكنه لا يصبح كذلك عندما يتعلق الأمر بالأفعال! («يديعوت أحرونوت»، 27 فبراير/ شباط، 2015).
الملاحظ أن نتنياهو وداغان قلقان بخصوص أمن ومستقبل إسرائيل. وبينما يدعي نتنياهو أن قلقه نابع من البرنامج النووي الإيراني، نجد أن داغان يرى أن استراتيجية نتنياهو الخاطئة هي التهديد الحقيقي لإسرائيل.
بوجه عام، يبدو أن نتنياهو يمر بفترة عصيبة ومثيرة للجدل، خاصة أنه يسعى لنشر الخوف والدعوة للحرب في وقت يعاني فيه العالم من حرب مشتعلة بالفعل. بيد أن هذا الصوت لا يقتصر على نتنياهو، حيث توجد أصوات مشابهة في إيران، فمن الواضح أن هناك فئة من الناس ترى في الحرب تجارتها المفضلة.
داخل إيران، لدينا تجربة مدمرة ومحزنة للغاية، هي الحرب الإيرانية - العراقية، والتي كشفت أن بدء الحرب أمر سهل، فقد اعتقد صدام بادئ الأمر أن الحرب ستنتهي في غضون أسبوعين، إلا أن السيطرة على مسار الحرب صعب.
واليوم يحتاج نتنياهو وجميع القادة إلى التشارك في طلب سليمان من الخالق: «امنحني الحكمة والمعرفة الآن كي أخرج وأدخل أمام هذا الشعب، فمن ذا يمكنه حكم شعبك العظيم؟».