أندرياس كلوث
خدمة «بلومبيرغ»
TT

عيوب كامنة في بنية الاتحاد الأوروبي

كانت الأعصاب ثائرة خلال اجتماع قمة الاتحاد الأوروبي مؤخراً حين نظر مارك روته، رئيس وزراء هولندا، مباشرة، نحو فيكتور أوروبان، نظيره المجري، وقال ما كان يفكر فيه الجميع: «إذا لم تتشارك معنا قيمنا، فينبغي على المجر الخروج من الاتحاد الأوروبي».
كانت وكزة روته المباشرة لدفع دولة عضو في الاتحاد نحو الخروج منه بمثابة تذكير بواحد من أكبر العيوب الكامنة في تركيب وبنية الاتحاد الأوروبي، وهي افتقاره إلى الآلية التي تمكنه من طرد الدول من عضويته. ويثير ذلك سؤالاً وهو: متى ينبغي أن تتمكن كتلة أو منظمة أو نادٍ من طرد أعضاء منه؟ ولطالما ازدرى أوروبان قيم الاتحاد الأوروبي واحتقرها لسنوات طويلة، ولكنه إضافة إلى ذلك يقوض مبدأ سيادة القانون، وحقوق الأقليات، والصحافة والحريات الأكاديمية.
ولا تقل بولندا، وهي من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أيضاً، سوءاً عن المجر فيما يتعلق بالاستهانة وتهكم واستخفاف بالليبرالية، بسلخ الاتحاد الأوروبي عن هويته كنادٍ للمجتمعات الديمقراطية المتسامحة المنفتحة.
مع ذلك الأدوات المتاحة لتأديب الدول الأعضاء الجانحة وضمان انضباطها ضعيفة، وأهمها عملية منصوص عليها في المادة (7) من معاهدات الأمم المتحدة، التي استخدمتها بروكسل ضد كل من بولندا والمجر، حيث تتيح للكتلة تجريد دولة من حقها في التصويت في حال ما ارتأت كافة الدول الأعضاء الأخرى وجود «انتهاك ومخالفة جسيمة مستمرة» لقيم الاتحاد الأوروبي. مع ذلك يعني هذا الشرط المتمثل في تحقق الإجماع أن باستطاعة كل من المجر وبولندا دعم بعضهما البعض ولا يوجد ما يقلق أياً منهما إطلاقاً.
وقد تم إضافة آلية أخرى خلال العام الماضي، وهي ربط التمويل بالتزام مبدأ سيادة القانون، لكنها آلية تتسم بالغموض والفوضوية والبطء. الواقع هو أن الاتحاد الأوروبي، الذي يُخضع الدول لمعايير صارمة شديدة عند التقدم للحصول على عضويته، لا يستطيع فعل أي شيء لفرض عقوبة على أي من تلك الدول بمجرد انضمامها إلى الاتحاد، وبالتأكيد لا يستطيع طرد أي دولة منه.
هناك معضلة أخرى مشابهة كثيراً ما تثير قلق قيادات حلف شمال الأطلسي، فخلال السنوات الأولى للتحالف، كانت الولايات المتحدة والحلفاء الآخرون يخشون احتمال تحول بعض الدول الأعضاء مثل إيطاليا إلى دول شيوعية لتصبح مثل حصان طروادة تعمل لصالح الاتحاد السوفياتي. وأصبحت تركيا مؤخراً الشبح ومصدر القلق، واشترت نظام دفاع جوي من روسيا قد يمكنها من مهاجمة وتخريب المعدات التابعة لحلف شمال الأطلسي. ومع ذلك لا يستطيع حلف شمال الأطلسي طرد أي من أعضائه أيضاً.
وهذا ما يجعل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي مختلفين عن أي مؤسسة أخرى في هذا العالم، فعلى سبيل المثال تعد منظمة الأمم المتحدة نادياً يضم دولاً، لكن لديها طريقة لطرد أعضائها. كذلك الحال بالنسبة إلى مجلس أوروبا، الذي يعد من منظمات حقوق الإنسان، ويبلغ عدد أعضائه 47 دولة من بينها 27 دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. كذلك تعد إمكانية طرد الأعضاء أمراً عادياً أساسياً في المؤسسات التي لديها أعضاء من الأفراد، فالكنيسة الكاثوليكية تستطيع طرد أفراد في حال ارتدادهم عن الدين أو ارتكاب خطايا أخرى. كذلك يستطيع الكونغرس الأميركي، مثل أكثر البرلمانات، طرد أي من أعضائه، وقد فعل ذلك 20 مرة، وهو ما تستطيع الأحزاب السياسية، والنوادي الريفية، والمدارس، وغيرها من المؤسسات فعله أيضاً.
وتعد إمكانية طرد الأعضاء جزءاً متضمناً فلسفياً داخل الليبرالية بوصفها امتداداً طبيعياً لـ«حق الناس في التجمع السلمي». وكان المواطنون قديماً في أثينا، التي تمثل نموذج الديمقراطية الأول في العالم، يجتمعون بانتظام لكتابة أسماء الأفراد على قطع من الآنية الفخارية. وكان يتم نبذ أي شخص، أي طرده، إذا ما تم جمع ما يكفي من الأصوات اللازمة لذلك.
يتطلب الأمر أحياناً حماية مجموعات من الأفراد، مع ذلك يعني هذا في أكثر الأحوال حماية الأفراد من المجموعات أو الجماعات، ومن التعرض للطرد التعسفي الظالم. ويصدق ذلك على الدول أيضاً.
لذلك ليست إمكانية الطرد أمراً محل تلاعب، بل ينبغي استخدامه في الحالات الاستثنائية فحسب، ومع وجود إجماع من جانب الأعضاء على ضرورة استخدامه. وحتى في تلك الحالة ينبغي أن تكون عملية الطرد دوماً قابلة للنقض والإلغاء بحيث يكون لدى العضو فرصة وحافز للقيام بتغييرات وتعديل موقفه. كذلك ينبغي على الاتحاد الأوروبي تحقيق التوازن في هذا الوضع، ويعني ذلك تعديل وتحسين معاهداته بما يضمن أن تكون حالات الطرد نادرة لكنها ممكنة. وبالتوازي مع بدء العمل على تحقيق ذلك، سيكون لدى أوروبان وقت كافٍ للتفكير ملياً في الارتفاع الذي يريد الوصول إليه على شجرة شعبيته. كذلك يستطيع الشعب المجري، الذي لا تزال لديه أصوات، تحديد ما إذا كان يريد استبدال قادته وتغييرهم والبقاء في نادٍ يحبه أم لا.
*بالاتفاق مع «بلومبرغ»