دانيال موس
TT

التحول المرتقب في السياسة النقدية العالمية

يعد التحول المرتقب في السياسة النقدية العالمية أقرب إلى التطور البسيط المحدود منه إلى التغير الجذري الثوري. ورغم كل ما يقال عن التحول نحو رفع أسعار الفائدة، من المرجح أن تظل الشروط ميسرة نسبياً لسنوات مقبلة في الأنظمة الاقتصادية لأهم الدول.
ومن غير المرجح أن تشارك المصارف المركزية في تبني طرق عدائية جديدة لدفع النمو ودعم الأسواق، فمن المتوقع أن يكون التوسع العالمي عام 2021 هو الأقوى منذ عقود بعدما حدث الأسوأ منذ قرن تقريباً خلال العام الماضي. ويعد هذا الأمر مختلفاً تماماً عن تبني نهج صارم عقلاني، فأي ارتداد إلى ما كان يعد وضعاً طبيعياً قبل انتشار الوباء هو أمر بعيد على أقل تقدير.
لن تقوم المؤسسات الثلاث، التي عادة ما تهيمن على المشهد السياسي، وهي مصرف الاحتياطي الفيدرالي، والبنك المركزي الأوروبي، و«بنك اليابان»، بأي تحركات سريعاً. حتى الصين، التي لم تفعل كثيراً خلال فترة الكساد، تحرص على التحرك بحذر وحيطة.
تلك الأحداث التي تتسم بالتطرف تجعل البلاد في وضع شاذ متطرف. كذلك تزعج نيوزلندا المستثمرين وتثير قلقهم منذ الشهر الماضي عندما توقع المسؤولون زيادة خلال عام 2022. وقد أثار المستثمرون أمر تلك التوقعات، لكن البنك الاحتياطي النيوزلندي أعلن كثيراً من التحذيرات والتنبيهات؛ حيث قال أدريان أور، محافظ البنك الاحتياطي النيوزلندي في نهاية مايو (أيار): «إنكم تتحدثون عن النصف الثاني من العام المقبل؛ من يعرف أين سنكون حينها؟».
لا يعني ذلك عدم وجود تحرك على صعيد السياسات، فربما يبدأ البنك الاحتياطي الأسترالي إلغاء أحد برامج الطوارئ الخاصة به مؤخراً، في محاولة لإبقاء العائدات على الشهادات ذات آجال 3 سنوات قريبة من الصفر. في الوقت نفسه، من المتوقع أن يواصل البنك الاحتياطي الأسترالي تطبيق التيسير الكمّي. وصرّح فيليب لو، محافظ البنك، مراراً بأن رفع سعر الفائدة المعياري أمر لن يحدث قبل سنوات على الأرجح. وربما تزيد كوريا الجنوبية، التي تتمتع بتعافٍ اقتصادي قوي بفضل صادرات التكنولوجيا، أسعار الفائدة بحلول نهاية العام الحالي. هل هذا مهم؟ بالطبع. مع ذلك أكّد لي جو يول، محافظ بنك كوريا المركزي، خلال الأسبوع الماضي، أنه مع بقاء سعر الفائدة الرئيسي عند مستوى 0.5 في المائة، الذي يعد منخفضاً بدرجة قياسية، ولا ينبغي النظر إلى اتخاذ خطوة أو خطوتين بعيداً عن التكيف في حالة الطوارئ كجزء من توجه نحو التشديد والتضييق. وقد بدأت كندا الحد من مشترياتها من الأصول.
وتوجز المشكلات، التي تعاني منها أستراليا وكوريا الجنوبية، معضلة أوسع نطاقاً. ينبغي على واضعي السياسات الاعتراف بأن الأنظمة الاقتصادية لدولهم قد استعادت صحتها، وأن الأسواق المالية قد استقرت بشكل كبير، وأن معدل التضخم في ازدياد. إن الاستمرار من دون القيام بأي نوع من أنواع التعديل، حتى إن كان بسيطاً وتدريجياً، أمر غير معقول. كذلك يقولون إن ارتفاع معدل التضخم لن يستمر طويلاً على الأرجح، وإن أسواق العمل لم تتعافَ بشكل كامل. إنه توازن دقيق بالنسبة إلى المصارف المركزية الأكثر براعة. النبأ السار بالنسبة إلى كل من سيدني وسيول هو أن مصير العالم لا يقع على عاتقهم، فهذه المسؤولية تقع على عاتق مصرف الاحتياطي الفيدرالي.
ورغم اندهاش بعض المستثمرين من توقع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة برفع أسعار الفائدة لمرتين خلال عام 2023، أكد مسؤولون رفيعو المستوى أن التضخم سوف يظل تحت السيطرة، وأن الأسعار لن تستمر في الارتفاع. مع ذلك لم يكشف مصرف الاحتياطي الفيدرالي بعد عن جدول زمني للتراجع عن شراء الأصول، فارتفاع سعر الفائدة المستهدف لمصرف الاحتياطي الفيدرالي أمر لن يحدث سوى على المدى الطويل.
على الجانب الآخر، يتحرك «بنك الشعب الصيني» (البنك المركزي الصيني) بحذر وحرص. وتحدّ بكين من الحوافز، لكنها تعي جيداً ضرورة ألا تبالغ في قيامها بذلك، ومن أسباب قيامها بذلك الخوف من أن يؤدي حدوث تدفق أكبر لرأس المال داخل البلاد إلى ارتفاع قيمة اليوان. وبعد تعافٍ قوي من انخفاض حدث في بداية عام 2020. ربما يكون الاقتصاد الصيني قد بدأ في التباطؤ أو على الأقل أصبح أقل رسوخاً. وفي الوقت الذي ترتفع فيه أسعار السلع في مرحلة التسليم من المصنع سريعاً، لا يشهد معدل التضخم تغيراً ملحوظاً. ومن غير المرجح أن تصبح الصين، التي لم تسارع إلى التيسير بشكل كبير مثلما فعل مصرف الاحتياطي الفيدرالي في المقام الأول، أكثر تشدداً بشكل صريح واضح.
لم تكن التحركات المتعلقة بالسياسات النقدية التي شهدتها بداية عام 2020 لتستمر إلى الأبد، لكن الائتمان الميسر لم ينتهِ بعد، لذا لا ينبغي الخلط بين ما يحدث على الهامش وبين الحدث الرئيسي.